محمد علي لعموري
يبدو أنني خلقت ووجدت لكي أصطف حيث يوجد حق الاقليات مهضوما، تلك الفئات التي لا يتحدث عنها أحد في سياقنا العربي/الإسلامي، وكأني محامي الشيطان كما قد يرميني بذلك عدد غفير ممن يصطفون إلى جهة الظالمين الذين يسيئون للإنسان وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
مناسبة هذه المقالة ما صرح به اللاعب السابق والمحلل بقناة بين سبور القطرية في حق المثليين من كلام يشكل قناعة هذا اللاعب المدعو أبو تريكة، وهي للأسف قناعة عدد لا يستهان به من الناس، وتشكل قاعدة الإجماع على نبذ الاقليات وقمع الاختلاف، ووأد كل مطالب بتحرير الشرط البشري من “الأرثودوكسية الجنسية” المشاعة والتي تحوي بين ثناياها ممارسات هي من صميم المثلية ومن صميم الشذوذ الذي يعبر عن نفسه بين الغيريين قبل المثليين، لقناعتنا منذ بحثنا في هذا الموضوع أن المثلية لا تساوي الشذوذ ولا تطابقه، بل هي ميولات طبيعية تم تصنيفها ضمن الممارسات الشاذة فقط لجعلها تخشى الظهور وتخجل من أن يعلو صوتها ويصبح مسموعا.
لسنا هنا بصدد تعريف المثلية ومناقشة محدداتها وتجلياتها، بل نحن هنا لمناقشة هذا الرأي الذي يزاوج بين قيم الكرة وقيم المجتمع الشرقي، وكأن الذي يفتي في الكرة يحلو له وبجرة قلم، وزلة لسان اقتحام عش الدبابير دون أن تطاله لسعات الحقوقيين ممن يرفعون شعار المساواة بين الناس بصرف النظر عن اللون والجنس والدين والتوجه الجنسي..
وليس غريبا أن يحظى هذا اللاعب المهاجم على المثليين عبر قناة رياضية ؛ حيث استهجنت وسائل إعلام غربية تصريحاته تلك، واعتبرتها تحريضا على العنف والكراهية ضد فئة المثليين ؛ بكل هذا الحب والتعاطف والتضامن، وكأن تصريحاته تدخل ضمن المنجزات والفتوحات !
دعونا نقول أن المهنية في مجال التعليق والتحليل على مستوى كرة القدم تقتضي من أي محلل تقني أو خبير، الإلتزام بالموضوعية وواجب التحفظ فيما يعتقده ويعتنقه من قناعات شخصية تجاه ظاهرة اجتماعية ما، لأن رأيه الشخصي لا يفيد في مجال الكرة ولا يؤثر على رأي عام غربي إلا من خلال خلق هذا اللغط الذي أراده هذا اللاعب من حيث يدري أو لا يدري.
المهنية تقتضي الكياسة وسعة الخاطر وعدم الاستفزاز، وما فعله أبو تريكة يدخل ضمن الرأي المستفز الذي لا يسكت عنه، اللهم إلا إذا كانت قناة الجزيرة تنوي خلق هذا الجدل من اجل تسخين الرأي العام العربي المقبل على متابعة كأس العالم المزمع تنظيمه بقطر العام القادم، ولكننا نستبعد هذا الاحتمال. بالمقابل نرجح أن تثير قناة الجزيرة موضوعا مستفزا لأن قطر هي الجزيرة والجزيرة هي البوق الإخواني، ولا نستبعد أن يكون أبو تريكة إخواني الهوى..
على العموم فقد فاق حجم التضامن العربي على منصات التواصل الاجتماعي حجم الضرر الذي حاق بفئة المثليين، ونحن وإن كنا نعتبر هذه الزوبعة تخدم المثلية في الوطن العربي من باب خلق النقاش في الموضوع المسكوت عنه بقوة القانون وقوة الارثودوكسية الدينية، فإننا نشجب مثل هذا التصريح الأهوج الذي يركب على العنصرية سبيلا لزيادة الشعبية والتتويج بمنصب البطل الأخلاقوي كما تم تدوينه هنا وهناك من طرف المتضامنات والمتضامنين مع صاحب ذاك التصريح.
ننتقل إلى الداخل المغربي، وهذه المرة مع بنكيران هذا السياسي الذي فشل حزبه مؤخرا في تصدر المشهد السياسي، وانطفأ مصباحه ولم يعد يغري ويضيء الطريق كما كان يفعل من قبل وإبان “الربيع العربي”، هذا الذي يقال عنه ” الزعيم” يزعم أنه بإثارته لنفس الموضوع الذي أثاره ابو تريكة، قد وجد ضالته في خلق معارضة من فراغ مؤلم على وجدان الإخوان الذين تراجعت شعبيتهم، ويحتاجون لمعجزة للعودة ولإضاءة المشهد، ويعتبرون كل حديث في موضوع من مواضيع الجنس مثل المثلية الجنسية وغيرها بوابة الدخول على المشهد السياسي بشعار الأخلاقوية الشاجبة لكل “شذوذ”!
هذا الرجل الذي لم يفعل شيئا سوى أنه كذب على المغاربة ووأد أحلامهم، وهادن الفساد، وتلاعب بالكلمات، وغادر مكرها بتقاعد سمين، مازال ينطح بكلمات تدغدغ مشاعر المغاربة من قبيل المثلية التي تعد الحائط القصير الذي ينط فوقه كل قزم أراد إظهار بطولاته الدونكيشوتية.
لهذا فما يبدو خطابا في الرياضة وفي السياسة أصبح مخترقا بفكر إخواني تباركه بعض القنوات التي تتبنى هذا الطرح وتراه عين المحافظة على القيم، وكأن الاختلاف ضد القيم، وكأن القيم لا تستوعب التعدد والتنوع والاختلاف.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=16055