الدكتور ادريس الكنبوري
محنة مغاربة سوريا الذين غادروا المغرب قبل سنوات عند اندلاع الحرب في سوريا للقتال إلى جانب الجماعات المسلحة هي اليوم محنة مزدوجة، بل متعددة الأوجه.
هي أولا محنة الاختيار الغلط الذي جعل خيرة شباب المغرب يلتحق بالسراب في لحظة الفتنة والفوضى والفتاوى الشاذة، شباب كان يمكن أن يلتحق بقوارب الموت مثل جيله، لكنه اختار الطريق الآخر.
وهي ثانيا محنة الحياة المعلقة في تركيا، منذ أن اختاروا الهروب من ساحات القتال، وخشوا العودة إلى المغرب خوفا من الاعتقال، فبقوا معتقلين في شوارع تركيا.
وهي ثالثا محنة أطفال صغار ولدوا في سوريا، لا ذنب لهم سوى أنهم من أصلاب شباب مغرر به. هؤلاء الأطفال هم اليوم بدون هوية، لديهم أم وأب، لكن ليس لديهم وطن.
وهي رابعا محنة نساء سوريات اخترن الاقتران بهؤلاء الشباب في الداخل السوري، واليوم هؤلاء النسوة معلقات مثل أزواجهن.
وقد كانت مبادرة إيجابية أن طرح أمين حزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي داخل البرلمان اقتراح تشكيل لجنة لزيارة المخيمات السورية حيث يحتجز هؤلاء المغاربة وزوجاتهم، مبادرة وطنية تستحق التنويه، وإن كان لا بد من المحاذير ولا بد من التعامل الفطن مع الموضوع.
خلال وجودي في اسطنبول الأسبوع الماضي اتصل بي زكريا العزوزي، وهو مغربي من الذين قاتلوا في جبهة تحرير الشام طيلة سبع سنوات في ظروف صعبة، قبل أن يندم ويتراجع ويقرر الفرار. وصلني هاتف وأنا في الفندق فكان على الجانب الآخر من الخط رجل يقول بأنه يتابع كتاباتي ويريد مقابلتي في موضوع خاص يتعلق بما يسمى مغاربة سوريا. لبيت الدعوة سريعا وفي اليوم التالي كان لي لقاء مطول مع العزوزي في إحدى مقاهي اسطنبول، وقد اكتشفت في الرجل مغربيا ذا ثقة في نفسه لم يكف طوال اللقاء عن التعبير عن ندمه للالتحاق بساحات القتال في سوريا.
لن أطيل في هذه التدوينة القصيرة، وسأعود إلى الموضوع في مكان آخر، لكن ما أود قوله أنني لمست عند زكريا العزوزي ما يشبه نقدا ذاتيا عنيفا، نصفه يتحمل هو مسؤوليته، ونصفه الثاني تتحمل مسؤوليته تلك الجهات التي غررت بالشباب العربي في المؤتمر الشهير عام 2012 في أستاد القاهرة، حين تقاطر مئات الدعاة والعلماء على المنبر يدعون الشباب إلى الجهاد في العدو الحاكم في سوريا. يومها صدق الشباب اللعبة، وظنوا أنهم سيكونون الجيل الذي سيحرر سوريا من العلويين، كما حرر الجيل السابق أفغانستان من الشيوعيين. لم ينتبهوا إلى ذلك الفارق الرهيب، وهو أن أفغانستان كانت في اليد الأمريكية، بينما سوريا لم تكن في أي يد، أو، لا داعي للكلام.
قال لي زكريا العزوزي إن ما يزيد على 34 أسرة توجد موزعة على المدن التركية، وجميعهم ينتظرون مبادرة تنطلق من المغرب لإرجاعهم إلى بلدهم. وحسب مصادر من التنسيقية من داخل المغرب، في لقاء لي مع أحدهم، فإن هناك ما يزيد على 234 طفلا، 48 منهم أيتام بعدما لقي آباؤهم مصرعهم في القتال، بينما يبلغ عدد النساء حوالي 100.
لكن بالطبع من يوجدون في تركيا قلة قليلة، والباقون يعانون داخل سوريا في مخيمات الاحتجاز.
هناك جانب إنساني في القضية، صحيح، لكن هناك جانبا سياسيا يخدم المغرب بشكل كبير في اعتقادي. لدينا اليوم صورة إيجابية عند الآخرين، وهي أن المغرب البلد العربي الوحيد الذي نجح في بلورة مشروع للإصلاح الديني وتأمين نفسه، وذلك بفضل مؤسسة إمارة المؤمنين. هذا النموذج المغربي سوف يكتمل بمبادرتين اثنتين كبيرتين، تحتاج الأولى إلى الانطلاق، وهي إرجاع مغاربة سوريا وفتح حوار معهم وإعادة إدماجهم، وتحتاج الثانية إلى التصحيح، وهي مبادرة الحوار الداخلي.
ولنا عودة.
Source : https://dinpresse.net/?p=12401