20 أكتوبر 2025 / 18:00

القيمة الاجتماعية للنجاح الجماعي .. قراءة في فلسفة فوز الفريق الوطني الشاب

محمد التهامي القادري

في لحظة من لحظات الفخر الوطني التي يتجاوز فيها الإنجاز الرياضي حدود المستطيل الأخضر، يطل علينا فوز المنتخب الوطني الشاب لكرة القدم بكأس العالم كدرس بليغ في فلسفة البناء الجماعي، ومعنى الانتماء الحقيقي للوطن.

إنه ليس مجرد انتصار كروي يُسجَّل في دفاتر التاريخ، بل هو لحظة وعي عميقة، تختزل معاني التآزر والتكامل، وتُقدم للقطاعات كافة نموذجا حيا لما يمكن أن تفعله الإرادة إذا التقت بالبصيرة، والشغف إذا تعانق مع الرؤية.

إن هذا الفوز يُعلمنا أن التقدم لا يصنعه جيل واحد ولا ف حيثئة واحدة، بل هو ثمرة تضافر الأجيال وتضامنها، حين تتكامل خبرة المخضرمين مع اندفاع الناشئين، ويُستثمر رصيد التجربة في إنارة دروب المبادرة. ففي المشهد الرياضي كما في المشهد التنموي، لا تُبنى المعجزات على الانقسام أو الفردانية، بل على التفاعل الخلاق بين من راكموا التجربة ومن يحملون الحلم والطموح.

إن ما يربط الأجيال ليس فقط الدم أو الزمن، بل الإيمان المشترك بقيمة الوطن، والإصرار الجماعي على خدمته بصدق ونزاهة وكفاءة. وما أعمق الدلالة حين يتحول التفاعل المتبادل بين ذوي التجربة وأصحاب الطموح إلى فعل مؤسس للثقة، وإلى جسر يربط الماضي بالمستقبل.

التفاعل هنا ليس مجرد تبادل في الرأي، بل هو قيمة فكرية وحضارية، به تُنقَل الخبرة، وبه تُستثمر الطاقات، وبه تُصان الوحدة من التشتت والأنانية. وحين تُبنى المؤسسات – في أي مجال – على منطق التواصل والتقدير المتبادل، فإنها تتحول من فضاءات جامدة إلى كيانات نابضة بالحياة، قادرة على الإبداع والتميز.

أما الإيمان بالكفاءات، فهو العصب الحقيقي لكل نهضة. فالأوطان لا تنهض بالمحاباة ولا بالولاءات الضيقة، بل بالاقتناع الراسخ بأن من يتقن عمله هو الأحق بالمسؤولية، وأن التفوق لا يعرف نسبا ولا انتماء إلا الجد والإخلاص.

لقد أبان المنتخب الشاب أن النجاح لا يأتي صدفة، بل هو ثمرة تخطيط واستثمار في الإنسان، حين يُمنح الثقة في إطار من الانضباط والمسؤولية. أما فيما يتعلق بالتنافس الصادق في حب الوطن، فهناك تتجلى الروح التي تصنع المجد، إنه تنافس لا يقوم على إقصاء الآخر، بل على تحفيزه، ولا على هدم ما بناه السابقون، بل على الارتقاء به.

وهكذا يتحول الانتصار الرياضي إلى استعارة كبرى تختزل فلسفة النجاح في كل الميادين، أن تتآلف الإرادات كما تتآلف الأقدام في الملعب، وأن يلتقي الحلم بالعقل، والعاطفة بالمسؤولية، وأن تُبنى الدولة كما يُبنى الفريق، بالتدريب والانضباط والثقة، وتوزيع الأدوار في توازن حكيم. إن دروس هذا الفوز تتجاوز حدود الرياضة لتصل إلى كل مؤسسة وإدارة ومدرسة ومجتمع. فحين تسود روح الفريق، تتضاءل الأخطاء، وتتكاثر النجاحات. وحين يكون الحب للوطن هو القاسم المشترك، تصبح الإنجازات شاملة، والمستقبل أكثر إشراقا.