الفلسفة الإمبريقية أمام الطبيعة

30 أبريل 2020

بقلم: أسامة البحري
1 : جون لوك “مقال في الفهم البشري”
مع ظهور النزعة العقلانية ، التي نجد أسسها مع الفلسفة الرواقية ، كانت الفكرة المتداولة حينها هو أن العقل يوجد بقبليات “كالرياضيات و المعاني اللغوية والأشكال الفيزيائية: مثلث الخ ” ، و طبعا هذا ما عززه توماس هوبز و رينيه ديكارت و لايبنتس ، فقد كان الذهن بالنسبة لهم ، مهاد مرصع بقوانين قبلية ، فطرية ، منها يرى العقل الوجود ، و لكن مع ظهور جون لوك (القرن 16 ) ، بأقوى أعماله “مقال في الفهم البشري ” ، تم تجاوز النزعة العقلانية التي تكونت بكتابات هوبز و ديكارت و لايبنتس.

و لهذا فقد انطلق جون لوك من مثال الطفل ، بكونه لا يستطيع التمييز بين لعبه و حبات الحلوى ، فإنه يبقى هو هو ، ثم أضاف لوك مثال الحالة الوحشية التي كانت تفتقر إلى فكرة الله ، فهنا برهن جون لوك ببداهة إلى النزعة العقلانية ، أن العقل هو بما هو (أي بما اكتسبه)، فبالحالة الوحشية مثلا و هو مثال قوي استند إليه جون لوك لتجاوز فكرة القبليات أو الفطريات ، كانت هذه الفترة تفتقر إلى عبادة الماورائيات ، فلو كان حقا العقل يوجد بأفكار فطرية كما يسلم لوك ، لكان في المخطوطات التي وصلتلنا من هذه العصور الهمجية ، وجود لمفاهيم و أفكار لله ، و لكن الأمر يخالف جذريا ما نتوهمه ، و لهذا نجد أن جون لوك بالفصل الثالث من الكتاب الأول لعمله “مقال في الفهم البشري ” ، قد انتقد الفيلسوف الإنجليزي “هيربرت تشيربري ، القرن 16 ” ، الذي أسس مذهب التأليه الطبيعي بنظريته عن فطرية الأفكار.

فهنا بين لنا جون لوك بطريقة ضمنية “انتقاده للنزعة العقلانية ” (ضمنية بمعنى أن الفيلسوف تشيربري لم يكن مشهورا كرينيه ديكارت ” ، و لهذا فإذا ما انتقلنا مع جون لوك إلى الكتاب الثاني من عمله “مقال في الفهم البشري ” ، سنجد أن جون لوك يعرض لنا فكرته المحورية حول الذاكرة الخالية ، فالعقل حسبه يوجد صفحة بيضاء ، أي خاليا تماما من المضامين ، و بفعل التجربة يكتسب العقل مضامينا عبر تجميع الأفكار البسيطة أو المكتسبات الأولى ، و يقسم جون لوك الأفكار البسيطة ، إلى أفكار نكتسبها من حاسة واحدة (كالألوان / الأصوات / الطعم / اللمس / الإيقاعات / الحرارة / الصلابة) ثم هناك الأفكار البسيطة التي نكتسبها من أكثر من حاسة واحدة ، كالمكان و الشكل و الحركة و السكون ، ثم هناك أفكارنا نحن التي تتمخض من قدرة الوعي على الشك و التفكير (القدرة على توليد أفكار جديدة ، من خلال صهر ما تم إكتسابه ).

و قد سلم نقاد جون لوك ، أننا حقا لا ندرك إحساسات متجزئة ، بل ما يقع هو أننا ندرك موضوعات بوصفها كلا ، و هذا حقا ما عززه جون لوك ، فإن ما نكتسبه هو عبارة عن صفات كلية للجزيئات التي نكتسبها ، و لهذا سيضيف جون لوك أن كتلة النار أو الثلج الخ ، هي صفات تتكدس مع بعضها داخليا ، فهي من ناحية الوجود موجودة ، و لكن أعراضها غير موجودة من ناحية الكنه و الماهوية “، فالسخونة و البرودة و البياض صفات كلية ، تتمخض عن امتدادات أجزاء الكل بالزمكان ، ولهذا سيسلم جون لوك بأنه إذا ما جردنا الألوان عن الأعين ، و الأصوات عن الأذن و الأذواق عن اللسان ، و الرائحة عن الأنف ، بأن نجعل العين لا ترى و الأذن لا تسمع و الأنف لا يشم ، فإن الصفات ستتلاشى.

وبهذا سيقسم جون لوك الصفات إلى ثلاث : الصفات الأولية : المتواجدة فعلا في الأجسام الفيزيائية سواء أدركناها أو لم ندركها ، ثانيا : مؤثرات الأجسام الفيزيائية، التي تؤثر في حواسنا مما يؤدي ذلك إلى إحداث أفكار عن الصفات الثانوية للأجسام الفيزيائية ، ثالثا : الأجسام الفيزيائية تمتلك في تركيبتها الخاصة القدرة على التغير ، و هذا ما نكتسبه (التغير هو ما نكتسبه) ، كالشمع الذي يؤثر فيه الشمس ، فتجعله أبيضا ، و لهذا فالذهن حسب جون لوك ، يكون أفكارا مركبة من أفكار بسيطة ، في مركب واحد ، كالجمال ، الإنسان ، الكون الخ ، زد على ذلك الربط ، فهو قادر على ربط فكرتين مركبتين معا ، من أجل المقارنة (دون أن يجمع ما بينهما ، كـ الأم و الأب ، الابنة و الأم ، الأبن و الأم الخ ).

وقد يجرد العقل فكرة من الأفكار الأساسية التي تلازمه ، ليجعلها ممثلة لأفكار تشبه النوع ذاته ، فاللون الأبيض مثلا ، يتم فصله عن الأفكار البسيطة التي التحمت معه داخل الدماغ ، كالطباشير ، الثلج ، اللبن الخ ، و ما يفعله الدماغ بعد ذلك ، هو رسمه لإطار متسع بخاصية اللون هذه التي تجمع الطباشير و اللبن و الثلج الخ ، و بذلك يصبح اللون الابيض يضم الطباشير و اللبن و الثلج الخ ، و لهذا فحسب جون لوك ، العقل يكون أفكاره ، من خلال (الضم و العلاقة و التجريد) : اللون الأبيض جرده عن الأجزاء التي اكتسبت معه = الطباشير و اللبن و الثلج و لب اللوز الخ.

ثم ربط الذهن بعدها علائقيا بين كل الأجزاء المكتسبة مع اللون الأبيض ، فأصبح هذا اللون الذي انتزع من هذه الأفكار البسيطة او المكتسبات ، يضمهم اللون الأبيض ، و هذه الخاصية تنطبق حسب جون لوك على العديد من المكتسبات المعقدة و البسيطة ، و لهذا فالذهن حسب جون لوك ، يشتغل بثلاث أنواع مختلفة من المعرفة المركبة ، أولا : إلتحام أعراض قضايا موجودة ، إمتدادا : كالمكان / الطول / العرض / الإرتفاع ، ثانيا : الأعراض المركبة : فهي أفكار تتكون من أجزاء متنوعة ، كالعرفان بالجميل ، الذي يتمخض عن أجزاء متنوعة قد تكون مادية ملموسة أو رمزية ، ثالثا : الجواهر حسب جون لوك تجمع من الأفكار البسيطة ، تلتحم مع بعضها لتكون كتلة جزيئية قائمة بذاتها.

ولهذا يرى جون لوك أن فكرتنا عن الله قد كونتها أذهاننا ، عن طريق تضخيم فكرة اللاتناهي لتلك الأفكار الخاصة بالوجود و الديمومة و القوة و السعادة و المتعة، وإلى جانب التضخيم يرى جون لوك أن هناك طريقة أساسية أيضا يستعملها الذهن ، هي العلاقات ، و من بين العلاقات الأساسية ، هي علاقة العلة و المعلول (الهوية و الإختلاف) ، فحينما ندرك حدثا فإنما ندرك ما سيتبعه ، و لهذا فإننا نسمي الأول العلة و الثاني المعلول ، و بهذا تتوحد الهوية “فحينما نقول كما يسلم جون لوك : ثمار البلوط فنحن نتكلم أيضا عن شجرة البلوط التي نشأت الثمار منها ” و بهذا تتوحد الهوية ، و كذلك الوجود الإنساني فحينما نتكلم عن الطفلة و الطفل فنحن نفترض الوجود المستمر للموضوع الواحد ، مما يجعل الهوية تتوحد بالتحام الطفلة مع مرأة عجوز ، و بهذا فالذهن حسب لوك ، يوحد علاقته الماضوية مع حاضره مما يجعل وجوده هو هو ، وبهذا ينتقل بنا جون لوك في الكتاب الرابع من عمله ” مقال في الفهم البشري ” إلى نتائجه حول المعرفة البشرية.

وفي هذا الصدد يرى جون لوك أن المعرفة هي اتفاق أفكارنا ، التي تجعل من الهوية هوية ، بمعنى أن المضامين المكتسبة بتكرارها “خارجيا و داخليا “، تترسخ وتتميز في تركيبتها عن باقي الأفكار البسيطة ، فحينما نقول البرتقالى دائرية التكوين و لونها برتقالي ، فهي هنا تتميز من خلال معناها و المترسخ بالتكرار ، عن شكل الطماطم و لونها ، و بهذا سيقسم جون لوك درجات الحس إلى ” المعرفة الحدسية ” : التي يكتسب فيها اتفاق فكرتين بسيطتين أو اختلافهما ، دون ان تتوسطهما اي فكرة ، و بهذه الطريقة نعلم أن اللون الاحمر ليس هو اللون الأسود و الدائرة ليست مثلثا ، علاوة على ذلك “المعرفة البرهانية ” : التي تعني جعل بعض الأفكار ، تتوسط ركائز المعنى الذي نريد التعبير عنه ، فمثلا : حينما سأرشد شخصا لمكان يريد التعرف عليه لأول مرة ، فإن الأمر سيتعصي علينا كلانا (سيستعصي لأنه توجد نقطة بداية و لا توجد نقطة نهاية )، ولهذا سأضطر إلى إدخال بعض الأماكن كأفكار تتوسط فكرة البداية و فكرة النهاية ، فهذا المثال ينطبق تماما على باقي أبعاد البرهان ” سواء اللغوي او ما شابهه من أجزاء المعرفة ” ، و من جهة أخرى ، و أخيرا نجد ” المعرفة الحسية ” : هذه المعرفة تؤكد وجود عالم خارجي ، يحتوي على أشياء جزئية و صفات أولية تلازم الجواهر ، و بهذا فإننا نجمع ملاحظات عن الجواهر و عن ارتباطاتها ، بصفاتها الأولية ، و هذا ما يفتح لنا أفق التنبؤ بالممكن ، أي بما سيحدث مستقبلا.

2 : جورج بركلي” مبادئ المعرفة البشرية ”
ظهر بركلي ، متأثرا بفكرجون لوك التجريبي ، و لهذا فإذا كان جون لوك قد رفض الأفكار الفطرية ، فإن جورج بركلي قد ذهب بعيدا عن ما شكله جون لوك ، فقد إنتقد الأفكار المجردة ، و في إنتقاده هذا ، إنطلق من تفكيك و تحليل أسس المعرفة التجريبية ، و لهذا سيسلم بركلي بأن كل ما نعرفه هو ناتج عن التجربة ، و أن الوجود بأكمله هو عبارة عن أشياء لا عن مواد ، فكل شيء موجود حسب بركلي هو مدرك ، و لهذا فالوجود حسب بركلي هو إدراك ، بمعنى أن كل ما نعيه هو تجمع من صفات محسوسة.

وهنا يتبين لنا ان بركلي يؤمن كأرسطو تماما ، بأن هناك قياسا يوجد مع الذهن ، فحينما أرى حسب بركلي تفاحة واحدة ، ناتجة عن امتزاج عدة خصائص ، كاللون / الرائحة / الشكل ، و لكن السؤال الذي خطر ببال بركلي ، هو : لماذا لا أرى رقما واحدا ، مع هذه الأجزاء ؟ هنا توقف بركلي على فكرة أساسية و هي القبليات التي توجد مع الدماغ ، و بهذا يكون بركلي انتقد أفكار جون لوك التي وضعها بعمله ” مقال في الفهم البشري” ، و خصوصا فكرته المحورية التي تتأسس على العلاقة القائمة بين التجربة و اكتساب المعرفة ، و بهذا يضيف بركلي فكرة أساسية بطرحه ، و هي أن ليس ما نكتسبه ، حقيقة ما اكتسبناه ، فالنار كما نتخيلها ، ليست هي حقيقة النار ، و ليست هي التي تحرقنا بالأحلام ، و ايضا ليست هي التي تحترق حقيقيا ، و لهذا فإن الأفكار الإرادية مختلفة تماما عن أفكارنا المتخيلة ، وبهذا فقد سلم بركلي ضمنيا بأنه يؤمن بالقبليات أو الفطريات (التي تعني وجود قواعد قبلية مع الدماغ : القواعد النحوية للغة = تشومسكي / قواعد الرياضيات = ديكارت / قواعد القياس = أرسطو ..).

ولهذا يرى بركلي أن ما يوجد هو إمتداد لما يوجد بالذهن ، إذن فإذا كان ديكارت و جون لوك قد سقطوا في انفصالية الفكرة و الموضوع ، فإن بركلي إنتقدهما في نقطة الإنفصال هذه ، متبنيا تصوره الذي يعرف الآن بالواحدية الإبستيمولوجية ، و يمكننا اختصار هذا التصور على النحو الآتي : نحن ندرك حقا الموضوع الواقعي ، و لكننا لا ندرك صورة منه كما هو ، و من بين أفكار هذه ” الواحدية الإبستيمولوجية ” ، نجد ” الإنعكاس “: فحينما نرى مثلا (تفاحة) ، فإن هذه التفاحة حسب بركلي، تكون شكلا قبليا بالذهن ، أي أن الخاصية التي تمثل فكرة التفاحة يوجد مكانها سابقا على المحمول (أي سابقا على أجزاء التفاحة : اللون / الرائحة / الشكل / الصوت..

وفي هذا الصدد يسلم بركلي بأنه لا وجود للأشياء ، بدون وجود الأنا ، لأن الذهن حسب بركلي به علاقة تجذب هذه الأشياء ، و تشكلها على الأشكال التي نعنونها نحن بأسماء “شجرة / برتقالة …” و من خلال كل ما سلم به بركلي، تم توجيه نقد له من طرف أنصار الواقعية النقدية ، يتمحور أساسا على وهم الإدراكات ، فحينما نضع عصا مستقيمة في الماء ، فإن نصفها يتبين لنا أنه مائل ، و بذلك ندركها أنها مكسورة الشكل و ليست مستقيمة الشكل ، زد على ذلك أن الألوان و الأصوات والأنغام و الطعوم و درجات الحرارة ، في لحظة الإدراك الحسي ، لا يسبق وجود الذهن ، التجربة (بمعنى أنه لا توجد معرفة مع العقل ، بل ما يوجد هو علاقة “ابستميه-ميغناطيسية”مرتبطة بموضوعات فيزيائية خارجية “.

3 ـ دافيد هيوم :”رسالة في الطبيعة البشرية “
اعتبر دافيد هيوم ، من خلال عمله هذا “رسالة في الطبيعة البشرية ” فيلسوفا تجريبيا أكثر دقة من جون لوك و بركلي ، ففي عمله هذا قسم الإدراكات إلى صنفين : الانطباعات البسيطة و المركبة ، ثم الأفكار البسيطة و المركبة ، و لهذا يرى هيوم أن الانطباع ينطبق على أي إحساس أو عاطفة أو انفعال يتمظهر لأول مرة في الذهن ، أما الفكرة حسبه فهي انعكاس لأفكار باهتة من الإنطباع ، فالفكرة حسبه تتأخر في ظهورها عن الإنطباع ، بمعنى أنه حينما نسمع صوتا أو نرى لونا ، فإن ما نتحسسه بإدراكنا هو إنطباع بسيط حول المدرك، و لكن حينما نسترجع اللون أو الصوت فإن فكرتنا تكون شبيهة بالإنطباع الأصلي.

ويضيف دافيد هيوم فكرة أساسية و هي أنه حينما نركب مركبا من الأحاسيس و التأمل ، فإن هذا حسب هيوم لا يعني أن للتركيب نسخة في الواقع ، بمعنى أنه إن أخذت الحي الذي تسكنه ، و رصعته بلون الذهب ، فإن حيك سيصبح حي من ذهب ، و لهذا فهذا الحي هو حي مركب ، و لا وجود له لا في الانطباع البسيط و لا في الانطباع المركب ، و بهذا سيسلم دافيد هيوم بأنه يمكننا تكوين أفكار مركبة عن طريق الخيال ، بمعنى أن تفكيرنا الحر و اليومي ، قد نسلم بأنه يطفوا فوق خاصية التركيب الخيالي ، و من خلال هذا التصريح سيضيف هيوم فكرة أساسية ، و هي أنه لكي نكون فكرة مركبة ، يجب أن يكون هناك تتابع منطقي للأفكار البسيطة او المكتسبات الإدراكية ، فحينما نضع مثلا أمام الذهن كل درجات اللون الأزرق ، قبل أن نجمعه لكي يكون لنا اللون الأزرق ، فإن الذهن بفعل الخيال سيستطيع تجميع هذه المركبات ، مكونا بفعلها اللون الأزرق ، و في هذا الصدد ان انتقلنا الى شخص أعمى “انثى /ذكر” ، فلن يستطيع أو تستطيع تكوين و لو درجة واحدة من الالوان المتجزئة للون الأزرق ، حتى و لو وصفت لها او له كل جزء من اللون بإحكام ، فلن يكون مثيله البصري ، لأن تتابع الصور.

لن تتحقق لأن الاجزاء غير موجودة ، فهذه الاجزاء هي التي تركب القياس الذهني الذي نتعلمه من تحركات كل موجود على الطبيعة ، القياس نكتسبه من جري الحياوانات من طيران العصافير و ما شابهها ، من تجربتنا نحن ، حينما نود عبور الشارع ، أو في اللعب بالطفولة .. الخ ، و في كل قياس نكتسب منه البداية والنهاية ، فالبداية تعتبر من أساسيات الذهن ، و تسمى نتائجه بالأفكار المستقبلية ، ففي هذا الصدد قسم دافيد هيوم مبادئ تداعي الأفكار إلى ثلاثة : الأفكار المتداعية، المعروفة الآن في حقل علم النفس بالتداعي عن طريق التشابه ، أي تسلسل المكتسبات عن طريق التشابهات ، فمثلا : حينما أقرأ كتابا و أقرأ شبيها له في المعنى ، فإن الثاني يصبح تابعا الأول في التشابه ، زد على ذلك مبدأ اتصال الأفكار في الزمان و المكان ” أي اتصال اجزاء الفكرة (الوقت / المحيط / الرائحة /الشعور ) ، فمثلا حينما نتكلم عن أستاذة أو أستاذ تتلمذنا على أيديهم بالمرحلة الإبتدائية ، فنحن نتكلم عن “زمن / ظروف إجتماعية / بيئة / شعور / أصوات / روائح، كلها متساسلة مع بعضها البعض ، زد على ذلك مبدأ العلة و المعلول (فحينما أفكر في شخص “أنثى /ذكر” فإنني أفكر في شخص يشبهه في المظهر ، قد أنتقل له في اي لحظة انتهي فيها من التفكير في الاول ، أو في شخص قابلته في المكان ذاته الذي يتواجد به الشخص “انثى /ذكر” الذي افكر فيه او فيها .

وبهذا يقسم دافيد هيوم مرة أخرى العلاقات الموجودة داخل الدماغ إلى سبعة : التشابه و هو كما سلمنا آنفا : العلاقات المتسلسلة بين المكتسبات ، ” الهوية ” : وتعني توحد الافكار التي نستقبلها في وقت ماضوي ، مع أفكار نستقبلها الآن ، “المكان و الزمان ” : بالنسبة الى هيوم يقدم لنا الزمكان عددا من المقارنات ك (قبل) (بعد) (فوق ) (مجاور) (بعيد)…. ، و علاقة ” الكم و العدد ” التي أدت إلى ظهور الرياضيات ، كرؤيتنا لشمس واحد ، و رؤيتنا للعديد من شجرات البرتقال بحقل معين والعديد من اشجار الزيتون بحقل آخر ، هذا من خلال ما صرح به هيوم ضمنيا ، يعني لنا اننا نكتسب قوانين الفيزياء و الرياضيات الخ من القوانين و العلوم من الطبيعة ، زد على ذلك درجات الكيف ، كما نشاهد في الأثقال ، فنحن نعلم كلنا أنه إن سقط هاتفي من يدي فانه لن يصعد الى السماء ، بل سيسقط على الأرض ، زد على ذلك درجات اللون ” الاخضر باهت / الاخضر معتدل / الأخضر غامق … ، علاقة التضاد ” حقل الليمون ليس هو حقل البرتقال ” “الجامعة ليست هي الثانوية ” ، وفي هذا الصدد يسلم دافيد هيوم بأن الجوهر يتحدد بالإحساس ، و ليس به هو ، فإذا أدركته العينان ، فسيكون لونا ، و إذا أدركته الأذنان فسيكون صوتا ، و إذا أدركه اللسان فسيكون طعما.

وبهذا فقد إنتقد دافيد هيوم ، أسس الفكر التجريبي الذي ظهر مع بركلي (انتقد فكرة الدليل على المادة أو افكار المادة ) و في هذا الصدد يقول دافيد هيوم ، في بداية الفصل الثاني من عمله “رسالة في الطبيعة البشرية” إننا نستطيع أن نلاحظ تجربتنا ، على أنها حزمة أو تجمع من إدراكات مختلفة ، يعقب بعضها البعض بسرعة لا يمكن تصورها ، و تكون في تدفق و حركة مستمرة ، و لا تستطيع أعيننا أن تستدير في محاجرها دون تغيير إدراكاتنا ، و يكون تفكيرنا أكثر تغيرا من إبصارنا ، وتساهم كل حواسنا الأخرى و ملكاتنا الأخرى في هذا التغير ، و ليست هناك قوة واحدة من قوى تظل بلا تغيير و لو للحظة واحدة ، إن الذهن نوع من المسرح ، تتابع في الظهور عليه إدراكات متعددة بصورة متعاقبة ؛ أعني أنها تمر ، و تمر كل ثانية ، و تزول بسرعة خاطفة ، و تختلط في تنوع لا متناه من الاتجاهات والمواقف … و يجب ألا تضللنا مقارنة المسرح . إذ أن الإدراكات المتعاقبة وحدها هي التي تؤلف الذهن ؛ و ليس لدينا أبعد فكرة عن المكان ، الذي تعرض فيه هذه المناظر و لا عن المواد التي تتكون منها “.

توكل كرمان.. من جائزة نوبل إلى خطاب الفتنة

عمر العمري تقدم توكل كرمان نفسها، منذ حصولها على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، بوصفها رمزا عالميا للحرية وحقوق الإنسان، إلا أن مسارها الإعلامي والسياسي اللاحق سرعان ما كشف عن تناقض صارخ بين الشعارات والممارسة. فبدل أن تكون صوتا للحوار والسلام، تحولت إلى منبر للتحريض والتجريح، مستخدمة المنصات الرقمية لنشر خطاب عدائي يستهدف المغرب ومؤسساته […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...