6 أكتوبر 2025 / 08:07

الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها

الشيخ الصادق العثماني – أمين عام رابطة علماء المسلمين بأمريكا اللاتينية
ينسب هذا القول ” الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها” إلى إمامنا مالك رحمه الله تعالى ، والذي يحذر فيه من إشعال الفتن بين الناس، بعد أن كانت هادئة آمنة مطمئنة، ويُحمّل من يوقظها مسؤولية عظيمة، لما للفتنة من أثر مدمر على المجتمعات والدين والأمن..

فديننا الإسلامي يدعو دائمًا إلى تجنب الفتنة، والفتنة أعظم من القتل كما جاء في القرآن الكريم: “وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ” [البقرة: 191].

مع العلم أن نظرة الإسلام إلى الفرد والجماعة نظرة شمولية انسانية واحدة، لا نظرة إقصاء طرف على حساب الطرف الآخر ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.. “. فليس للفرد في الإسلام الحق في أن يطغى على الجماعة، وليس للجماعة كذلك الحق في أن تطغى على الفرد، وليس أبلغ في الدلالة على هذه النظرة الإنسانية العقلانية الرافضة لمنطق الفردية المُطلَقة من هذه الصورة الجميلة التي يرسمها الحديث النبوي الشريف: “إن قومًا ركبوا سفينة، فاقتسموا فصار لكل منهم مَوضِع، فنقَر رجل منهم موضعه بفأسه، فقالوا له: ما تصنع؟ قال: هو مكاني أصنع فيه ما أشاء، فإن أخذوا على يده نجا ونجوا جميعا، وإن تركوه هلك وهلكوا جميعا”.

لهذا جميع السكان الذين يقطنون في دولة ما، هم جميعا على ظهر سفينة الوطن ، فإن حاولت مجموعة ما، أو حزب ما، أو تيار ما ، أو طائفة دينية ما ، إلحاق الضرر بهذه السفينة (أي الوطن) ينبغي على الوطن (أي الدولة) التدخل لحماية الجميع من مخاطرها وأضرارها.

وفي هذا السياق ونحن نتحدث عن الفتنة، تعيش بعض المدن المغربية – للأسف – على وقع أحداث مؤسفة، تحولت فيها بعض الاحتجاجات المشروعة إلى ساحة للفوضى، والنهب، والحرق ، والتخريب.. مشاهد مؤلمة، لا تشبه روح الوطن، ولا تعكس حقيقة الشعب المغربي الأصيل المعطاء المضياف الكريم الذي عرف على مرّ العصور ببساطته وبحكمته، وتلاحمه، وإيمانه بالسلم والعدل والكرامة.

نعم، لا أحد ينكر أن هناك مطالب اجتماعية حقيقية وعادلة، تتعلق بالتعليم، والصحة، والحرية، وتكافؤ الفرص وغير ذلك، فشباب هذا الوطن العزيز يتطلعون إلى حياة كريمة، إلى عدالة اجتماعية، إلى إصلاحات حقيقية، وهذه المطالب المشروعة، في الحقيقة لا يُنكرها أحد؛ بل يجب أن تُسمع، وتُؤطر، وتُناقش في إطار القانون، وبعقلانية، وبصوت سلمي حضاري لا يُسفك فيه دم، ولا يُكسر فيه زجاج، ولا يُسرق فيه رزق مواطن بسيط كافح عمره في محل أو متجر .

لكن الخطير، هو أن تتحول هذه التظاهرات إلى فتنة، فتنةٌ يتسلّق عليها أعداء الوطن في الداخل والخارج، أولئك الذين يغيظهم ما حققه المغرب من استقرار، ومنجزات تنموية، ومكانة دولية متقدمة.

هؤلاء لا يطيقون رؤية المملكة المغربية الشريفة وهي تمضي بثقة في طريق الإصلاح والبناء، فزرعوا الفوضى في العقول قبل الشوارع، عبر مواقع التواصل الاجتماعي المظلمة، الذي لا أحد يعرف صفتها وكنهها ومن وراءها ؟! .

والمؤسف والمؤلم أن نجد من بيننا من المغاربة من يحرض على الفوضى والخروج على الدولة، ومن بين هؤلاء بعض شيوخ “التيكتوك” و “الفيسبوك” وبعض المواقع الإلكترونية المأجورة، الذين يجلسون خلف شاشاتهم يحرضون شبابنا على التكسير، والخراب، والتمرد، وكأنهم في لعبة إلكترونية، لا يدركون أنهم يزرعون الكراهية، ويعرضون أبناء الوطن لخطر الموت أو السجن أو الضياع .

هذا تحريض صريح على الإرهاب، ويجب أن يُحاسَب قانونيًا وأخلاقيًا كل من حرض ودعا إلى العنف، وكل من شجع على التخريب، أو برّره، أو صمت عنه، فهو شريك في الجريمة، والساكت عن الحق شيطان أخرس.

وهنا لا بد أن نوجه انتقادًا صريحًا لبعض الدعاة والمشايخ والعلماء والمثقفين، والكتّاب، والسياسيين، وبعض المنابر الإعلامية الذين اختاروا الصمت في هذه اللحظة الحرجة. صمتهم، في وقت نحتاج فيه إلى كلمة رشيدة، وموقف أخلاقي نبيل، هو تواطؤ ضمني مع الفوضى، ألم يقل الفيلسوف سقراط: “تكلّم لأراك” ، فأين أصواتكم يا من تدّعون التنوير والقيادة الفكرية؟ لماذا لا تتكلمون إلا حين لا يراكم أحد؟!

فالسادة علماء أصول الفقه قرروا أن تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى العمل بالمُكلَّف به لا يجوز شرعًا، لأن الحاجة تقتضي الإسراع في بيان ما هو واجب أو مُحرّم لتمكين المكلف من الامتثال الصحيح لمراد الشارع، وقد نقل ابن السمعاني الاتفاق على منع تأخير البيان عن وقت الحاجة.

فالفتنة كما نعلم جميعا عندما تقع لا ينجو منها أحد، لا الدولة، ولا الشعب، ولا الأغنياء، ولا الفقراء.. فنحن في هذا المقال المتواضع لا نرفض صوت الشباب؛ بل نطالب بأن يكون هذا الصوت مسؤولًا، مؤطرًا، منظمًا، واضح المطالب، بعيدًا عن التسييس أو التحريض أو التوظيف الخبيث، ونرفض في المقابل استغلال معاناة الناس لإشعال نيران الفتنة في بلد آمن مطمئن .

ختامًا، أيها المغربي الحرّ، حافظ على وطنك كما تحافظ على بيتك. ناقش، طالب، عارض؛ لكن لا تُخرّب، ولا تَقتل، ولا تحرق ولا تُسهِم في تمزيق الوطن؛ فالوطن هو لجميع المغاربة في الداخل والخارج وليس فندقًا نغادره إن ساءت الخدمة؛ بل هو البيت الذي إن احترق، احترقنا جميعًا بداخله .

اللهم من أراد بهذا الوطن شرًّا فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه، واحفظ بلادنا وولاة أمرنا من كل سوءٍ ومكروه .
آمين، يا رب العالمين.