العهد المحمدي الزاهر: عنوان المجد والعطاء

2 ديسمبر 2025

ذ. محمد المهدي اقرابش

عضو أكاديمية نيم الفرنسية وعضو منتدى الإسلام بفرنسا.

عضو مؤسس للجامعة الشعبية للأديان بنيم الفرنسية.

لقد بلغ المغرب من التطور والرقي الشأن الكبير. فكان له القدح المعلى في التنمية على جميع الأصعدة. ولا يمكن أن ينكر هذا الأمر إلا من جهل أو جحد و كابر في قبول الحق.

ما كان لهذا التطور أن يتحقق لولا فضل الله ثم حكمة جلالة الملك أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله وحرصه على تحقيق رفعة الأمة المغربية وعزها.

فمن قرأ و تأمل في خطبه الملكية السامية، فإنه سيهتدي إلى الخيط الناظم الذي سلكه حفظه الله منذ تولى أعباء الإمامة العظمى للنهوض بأحوال أمتنا والاعتناء بشؤونها.

إن صنائع أمير المؤمنين ناطقة عن نفسها. وهي معروفة لا تحتاج إلى شخص بسيط مثلي لإبرازها وإظهارها إذ أنها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار وظاهرة وبادية للعيان.

ولكن الاعتراف بالجميل يقتضي ذكر أياديه البيضاء التي شملت المواطنين المغاربة كلهم داخل البلاد وخارجها.

لقد بلغ الملك محمد السادس حفظه الله غاية السؤدد والرفعة في إمارة المؤمنين والمُلْكِ والقيادة والريادة. فحاز الفخار و قصب السبق في المجد والمعالي. إنه الواسطة في عقد الملوك العلويين الأشراف.

حقق أمير المؤمنين بفضل حكمته وحكمه الرشيد لأمّتنا المغربية نهضتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لنستعرض للعالَم إذن بعض هذه المواقف و الإنجازات الملكية التي ارتقت بالمغرب إلى مصاف الدول الصاعدة والمستشرفة لمستقبل واعد وزاهر.

لقد وصف جلالته نفسه في خطبه بالملك المواطن. وهو تواضع ملِكٍ ورث الشرف -من جميع جوانبه- ملكا عن ملك. ولا غرابة في ذلك فهو سليل الدوحة الشريفة المرتبطة بجده المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي قال: “إنما أنا بشر مثلكم” صحيح مسلم.

نعم رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم هو بشر ولكن قدره بين البشر عموما والأنبياء والرسل خصوصا جليل وعظيم.

ورحم الله الناظم حين قال:

محمد بشر لا كالبشر / بل هو كالياقوت بين الحجر.

وقد اكتسب ملكنا الهمام سَمِيُّ نبينا وسليلُه هذا التبجيل والاحترام الواجب له من نسبه الشريف وعمله معاً.

أما الموقف الثاني الذي أنتخبه فهو أمره السامي بعقد لجنة الإنصاف والمصالحة للقطع مع عهد كان قد شهد مظالم وتجاوزات بسبب الظروف العصيبة والمهولة التي مر بها المغرب في السبعينيات. ولولا لطف الله وفضله ثم حكمة وحزم أمير المؤمنين الحسن الثاني طيب الله ثراه، لانفرط عقد الأمة المغربية. ولكانت داهية دهياء و طامة ليس لها من دون الله كاشفة. ولكن الله سَلَّم بلطفه وكرمه.

حرص أمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله على شفع إنصاف المظلومين بتفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وإنشاء مؤسسة محمد الخامس للتضامن و لمحاربة الفقر. فكانت نعمة مسداة لذوي الحاجة والفاقة والخصاصة، وفرصة للمغاربة للتضامن والتكافل في ما بينهم.
فحمل أمير المؤمنين بذلك لقب ملك الفقراء. ودع عنك من قال بغير هذا، فمستوى عيش الناس قد تحسن كثيرا بالمقارنة مع ما كانوا عليه من قبل. وقد لمسنا هذا جليا في معاش الناس وأحوالهم.
إن طبقات المجتمع الشعبية والمتوسطة التي أنتمي إليها لتجد من الفرص المواتية للعيش الكريم الشيء الكثير إن جدت واجتهدت وبادرت إلى العمل.
لطالما ندب أمير المؤمنين في خطبه المغاربة إلى تحمل المسؤولية والاخذ بالمبادرات في الاقتصاد والأعمال وعدم التواكل والتوكل على الوظيفة العمومية. بل التسلح بالطموح والعزم والإرادة والاستعانة بالله. فهي خير معين على بلوغ الرفعة والعزة والمنعة. والمجتمع برمته مسؤول عن النهوض بأحوال أفراده.
أما من جهة البنيات التحتية فحدث ولا حرج. ولا أجد أفضل تعبير من قول المغاربة: “حيدتي مغرب وحطيتي مغرب! ” أي تركتَ مغربا متوسطا به مشاكل ومصاعب بسبب ظروف قاهرة ووجدت الآن مغربا متطورا مزدهرا و مشرقا و واعدا.
فلننظر إلى موانئ طنجة والدار البيضاء- ماشاءالله لا قوة إلا بالله- و التي تَبُزُّ موانئ العالم من حيث شساعتها وسعتها وكفاءاتها. وهي مفخرة بوّأت المملكة المغربية الصدارة في الاقتصاد العالمي.
ولننظر إلى المطارات النظيفة والمتطورة وإلى الطرق السيارة والقطارات الفائقة السرعة TGV والمرافق العمومية والإدارية المتطورة. و نعم إن في النفس مزيدَ حاجةٍ إلى الإحسان والإخلاص والإتقان والتطوير ومحاربة الفساد بجميع أنواعه.
أما من الناحية الدينية، فإن ميثاق العلماء الذي أمر به أمير المؤمنين حفظه الله تعالى قد أجرى الله بفضله خيرا كثيرا في التأطير والتكوين المستمر للائمة والقيمين الدينيين. فحفظ الله به البلاد والعباد من التطرف من جهتي الانحلال و الغلو في الدين.
لقد أنصف أمير المؤمنين المرأة المغربية ونهض بأحوالها متحريا العدل والإنصاف وملتزما مقولته الشهيرة والتي سارت بها الركبان “ماكنت لأحلّ حراما ولا لأحرم حلالا”. أما ما اعترى مدونة الأسرة من نقائص في تنزيلها وتطبيقها فإن الاجتهادات القانونية والفقهية السمحة كفيلة بإصلاح العطب وسد الخلل.
شهد العالم قاطبة لأمير المؤمنين بالفضل فهابه واحترمه واستمد المغاربة هيبتهم منه.
وقد لمسنا هذا الشعور في لقاءاتنا وتواصلنا مع الأجانب الغربيين وغيرهم أكابرهم وأصاغرهم. فبمجرد أن تذكر الملك او المغرب أمام أحدهم إلا و تهللت أساريره و نطق باحترام تام اسم الملك و المغرب والمغاربة.
أمر جلالته بتأسيس مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج شكرا وإقرارا لفضل مغاربة العالم ومشاركتهم في نهضة الامة المغربية. فهي الجهة الثالثة عشرة وهي تشكل قوة اقتصادية واجتماعية لا يستهان بها في تنمية البلاد. وما فتئ صاحب الجلالة يوليها العناية والرعاية في كل خطاب. أذكر آخرها خطابه السامي في السادس من نونبر لعام 2024 ميلادية عندما ذكر إنشاء المؤسسة المحمدية لمغاربة العالم.
كما امر حفظه الله بتأسيس المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة حفظا لصفاء ثوابت تدين مغاربة أوروبا وصونا لها من ان تلوثها الايديولوجيات الهدامة والتيارات المتطرفة.
فوسطية واعتدال المغاربة في تدينهم معروف وهو نموذج يحتذى به في العالم بأسره و بشهادة القاصي و الداني من المنصفين.
انقذ الله بأمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله الأمة المغربية من ريح هوجاء عصفت و هبت على العالم العربي والإسلامي. سموها بالربيع العربي ولعمري انه قد كان شتاء زمهريرا أتت على الأخضر واليابس. واجه أمير المؤمنين حفظه الله هذه المدلهمة بخطاب سامي في اليوم التاسع من شهر مارس عام 2011 ميلادية فشارك المغاربة كلهم في التصويت على دستور جديد يعطي مزيدا من الصلاحيات للحكومة المنبثقة عن الاحزاب السياسية محملا إياها المسؤولية في التسيير والتدبير. و لقد تخلفت للأسف بعض هذه الأحزاب في كثير من المواقف عن ما يرتضيه المغاربة لأنفسهم ولبلدهم. ولعل قصور بعضهم راجع إلى أعطاب في التربية والتنشئة الحزبية أو بسبب أطماع وهوى في النفس لا تراعي الصالح العام للأمة.
أما من الناحية الرياضية، فقد صار المغرب محط أنظار العالم في التدريب الكروي وغيره من الرياضات إذ لطالما تساءل أهل المضمار عن سر انتصارات المغرب الكروية، فعلموا أن أكاديمية محمد السادس لكرة القدم هي صاحبة الفضل في مواكبة و تكوين الأشبال والأسود لمنافسة أعتى وأقوى الأندية والمنتخبات الرياضية.

و أخيرا و ليس آخرا ، أذكر قضية وحدتنا الترابية. فقد نصر الله بأمير المؤمنين الملك محمد السادس حفظه الله هذه القضية المصيرية لأمّتنا المغربية فاستخلص وحفظ حقنا في صحرائنا وانتزعه من فكي من تربص بالمغرب الدوائر وأراد له السوء و التقسيم والتفتيت، رد الله كيد الكائدين.
شهد العالم أجمع حكمة أمير المؤمنين وتبصره في قيادة أمته إلى العز والتمكين والازدهار والرخاء.
وإنا ندعو الله له في صلواتنا ومجالسنا بالخير والحفظ والتمكين. رحم الله الامام الفضيل بن عياض حين قال : « لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلاَّ في السلطان» قيل له: يا أبا عليٍّ: فسِّر لنا هذا؟ قال: إذا جعلتها في نفسي لم تَعْدُني، وإذا جعلتها في السلطان صَلُح، فصَلُحَ بصلاحه العباد والبلاد». كتاب السنة للخلال.
وعلم الله وهو العليم الخبير، ما أريد من مقالتي هذه تزلفا ولا تملقا أو نفاقا. وإنما هو قول حق وشهادة صدق أمام الحق سبحانه ثم الخلق. فقد قيل: إن الخلق شهود الحق. وهو من قبيل “وأما بنعمة ربك فحدث” سورة الضحى.
وإننا نحن المغاربة لنحبه حبا صادقا ونبجله تبجيلا يليق بمقامه العالي وبجنابه الشريف.
فاللهم أسبغ على أمير المؤمنين محمد السادس نعمك الظاهرة والباطنة. واحفظه بما حفظت به الذكر الحكيم. و ألبسه حلل العافية وأقر عينه بولي عهده الأمين الأمير المحبوب مولاي الحسن وصنوه الرشيد الأمير مولاي رشيد وسائر الأسرة العلوية الشريفة والشعب المغربي قاطبة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
والحمد لله أولا وآخرا.

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

“الإسلام الإخواني”: النهاية الكبرى

يفتح القرار التنفيذي الذي أصدره أخيرا الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، والقاضي ببدء مسار تصنيف فروع من جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية، نافذة واسعة على مرحلة تاريخية جديدة يتجاوز أثرها حدود الجغرافيا الأميركية نحو الخريطة الفكرية والسياسية للعالم الإسلامي بأكمله. وحين تصبح إحدى أقدم الحركات الإسلامية الحديثة موضع مراجعة قانونية وأمنية بهذا المستوى من الجدية، فإن […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...