العلمانية والمذهب المالكي

هل صحيح أن الفكر العلماني أثر في المذهب المالكي في المغرب؟

دينبريس
2024-11-29T11:53:28+01:00
كتاب الأسبوع
دينبريس29 نوفمبر 2024آخر تحديث : الجمعة 29 نوفمبر 2024 - 11:53 صباحًا
العلمانية والمذهب المالكي

دين بريس ـ سعيد الزياني
يعالج كتاب “العلمانية والمذهب المالكي” (الطبعة الأولى يوليوز 2012، الناشر جريدة السبيل، المطبعة طوب بريس الرباط) للمؤلف “مصطفى باحو” قضية محورية تتعلق بتأثير الفكر العلماني على المذهب المالكي في المغرب.

وينطلق الكتاب من تعريف العلمانية كفكر يدعو لفصل الدين عن الدولة، معتبراً أنها تجاوزت هذا الإطار السياسي لتتغلغل في القيم الاجتماعية والثقافية.

ويرى المؤلف أن العلمانية، كمنتج غربي نشأ نتيجة الصراع بين الكنيسة والدولة، قد تم تصديرها إلى العالم الإسلامي، خاصة عبر الاستعمار، مما أحدث تغييرات جوهرية في بنية المجتمعات الإسلامية.

ويركز الكتاب بشكل خاص على المذهب المالكي، الذي يشكل أحد الأعمدة الرئيسية للهوية المغربية، موضحا أن هذا المذهب لم يكن مجرد إطار فقهي بل هو نظام شامل ينظم العلاقات الاجتماعية والسياسية. ومع ذلك، فقد تعرض هذا المذهب لتحديات كبيرة نتيجة دخول الفكر العلماني إلى المجتمع المغربي، مما أثر على التشريعات والقوانين المستمدة منه.

ويتناول المؤلف أمثلة عملية عن تأثير العلمانية على التشريعات المغربية، مثل إلغاء الزكاة كتشريع شرعي واستبدالها بنظام ضريبي علماني، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية بشكل يتعارض مع الشريعة، وعلمنة التعليم مما أدى إلى تهميش التعليم الديني وتعزيز الفكر العلماني، كما يسلط الضوء على إضعاف المحاكم الشرعية التي كانت تعتمد على الفقه المالكي واستبدالها بمحاكم علمانية تستند إلى قوانين غربية.

ويرى المؤلف أن إحدى أبرز مظاهر العلمنة كانت من خلال الظهير البربري الذي أقرته السلطات الفرنسية في فترة الاستعمار، والذي سعى إلى تقسيم المجتمع المغربي وتشجيع العلمنة في المناطق البربرية، وقد تصدى العلماء المغاربة لهذه المحاولة، حيث لعب المذهب المالكي دوراً بارزاً في توحيد الصفوف والحفاظ على الهوية الإسلامية.

ويبرز المؤلف، من خلال نقده للعلمانية، تناقضاتها مع الشريعة الإسلامية، مشيراً إلى أنها لا تهدف فقط إلى فصل الدين عن السياسة، بل تعمل على تهميش الدين في مختلف مجالات الحياة. ويرى أن هذا الفكر يفتقر إلى البعد الأخلاقي والقيم المجتمعية التي تقدمها الشريعة، مما يؤدي إلى تفكك الهوية الدينية والاجتماعية.

bahou - دين بريس

ويطرح الكتاب مجموعة من الحلول للحفاظ على الهوية الإسلامية في مواجهة التحديات العلمانية، داعيا إلى تعزيز التعليم الشرعي، خاصة في المدارس والجامعات، لإعداد أجيال قادرة على التصدي للتحديات الفكرية. كما يوصي بإعادة الاعتبار للشريعة الإسلامية والمذهب المالكي في صياغة القوانين، بما يضمن الحفاظ على القيم الدينية والتماسك الاجتماعي. ويؤكد المؤلف أيضاً على أهمية الحوار الفكري بين التيارات المختلفة، بما يُمكّن من تحقيق التوازن بين الهوية الإسلامية ومتطلبات العصر الحديث.

واعتمد المؤلف في منهجيته على التحليل التاريخي والنقد الفكري، من خلال استعراض الأحداث التاريخية مثل الظهير البربري، يربط بين الماضي والحاضر لتوضيح عمق تأثير العلمانية على المجتمع المغربي، كما استخدم النصوص الفقهية والشواهد من التراث المالكي لتدعيم حججه، مما يمنح الكتاب بعداً تأصيلياً.

على الرغم من عمق التحليل الذي يقدمه الكتاب، فإنه يواجه بعض الانتقادات، جيث يفتقر الكتاب إلى تقديم حلول عملية أو استراتيجيات واضحة لتنفيذ التوصيات المطروحة، كما أن التركيز الكبير على نقد العلمانية قد يُنظر إليه على أنه موقف متحيز، مما قد يقلل من موضوعيته لدى بعض القراء.

ختاما، يبقى كتاب “العلمانية والمذهب المالكي” مرجعاً هاماً لفهم العلاقة بين الدين والدولة في السياق المغربي، حيث يقدم رؤية نقدية لتأثير الفكر العلماني على الهوية الإسلامية، ويدعو إلى التمسك بالتراث المالكي كإطار فكري وتشريعي يمكن من خلاله مواجهة تحديات العصر، وإلى حفاظ على الخصوصية الثقافية والدينية في عالم متغير تهيمن عليه العولمة الفكرية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.