أحمد نورالدين، خبير في العلاقات المغربية الجزائرية
على إثر التدهور الذي شهدته العلاقات بين المغرب والجزائر، خاصة مع إعلان وزير خارجية الجزائر رمطان العمامرة، يوم الثلاثاء 24 غشت 2021، قطع علاقات بلاده بشكل أحادي مع المغرب، وما سبقه من تصريحات عدائية من قبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وفي أغلب خطاباته بما فيها خطاب تنصيبه كرئيس، وفي معظم تصريحاته للصحافة الجزائرية والدولية وآخرها لقاؤه المطول مع قناة الجزيرة خلال شهر مارس 2023 والتي وصف فيها العلاقات مع المغرب بأنها وصلت إلى “نفطة اللاعودة”، وقبلها مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.
والقاسم المشترك في كل ذلك هو التهجم على المغرب دون مراعاة للحد الأدنى من واجب التحفظ المفترض في رؤساء الدول. ولم تقتصر هذه الحملة على الرئيس بل شملت معظم القيادات السياسية والعسكرية الجزائرية، وصلت إلى حد وصف المغرب بالعدو الاستراتيجي والكلاسيكي من قبل قائد الجيش الجزائري الجنرال شنقريحة، والاتهام العبثي للمغرب بإشعال الحرائق في تيزي وزو ومنطقة القبائل بصفة عامة.
وانطلاقاً من دروس ستين سنة من الجوار المتوتر، ودون خلفية مسبقة أو سوء نية مبيتة، لا بد من الجهر بأن المقاربة المغربية الرسمية تختلف جِذرياً عن نظيرتها الجزائرية في التّعاطي مع المشاكل العالقة وخاصة منها تسوية الحدود، وذلك من زاويتين: الأولى هي أن المغرب تعامل بحسن النية، وقد ثبت ذلك في العديد من المحطات التاريخية نذكر منها حين رفض محمد الخامس التفاوض مع فرنسا حول استرجاع الصحراء الشرقية وترسيم الحدود معها مقابل وقف الدعم المقدم لثورة التحرير الجزائرية، ورفض الاستغلال المشترك الذي اقترحته فرنسا لمناجم هذه المنطقة، بل ذهب المغرب إلى رفض استيراد النفط الذي تستخرجه فرنسا من الجنوب الجزائري في إطار دعمه للثورة. واكتفى المغرب باتفاق 6 يوليو 1961 الذي تلتزم فيه الحكومة الجزائرية المؤقتة بإعادة الأراضي التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي تعسفاً من خارطة المغرب.
وغني عن البيان أن المغرب كان بإمكانه مفاوضة فرنسا على الصحراء الشرقية والتي لم تُلحَق أجزاء منها رسمياً بالجزائر الفرنسية” إلاّ في 19 يونيو 1956، أي بعد ثلاثة أشهر من الاستقلال الجزئي للمغرب. ونفس الشيء قامت به إسبانيا، حيث ضمت رسمياً الصحراء إلى أراضيها سنة 1958، بعدما ظلت تعتبرها مُجرّد مُستعمَرة. وقد تعامل المغرب بحُسن نيّة حتى لا أقول “سذاجة” عندما وقع على ترسيم الحدود مع الجارة الشرقية سنة 1972 لفتح صفحة جديدة من التعاون مع “الشقيقة” مضحياً بجزء كبير من أراضيه التاريخية. فماذا وقع في الحالتين؟
اتفاق 1961، تلته حرب الرمال سنة 1963 التي اعتدت فيها الجزائر الانقلابية على المغرب مدعية العكس وإلى اليوم. أما اتفاق 1972، فقد تلاه احتضان الجارة “الشر_قية” لانفصاليّي “البوليساريو” سنة 1973، موازاةً مع تمويل وتدريب وتسليح، بتعاون مع القذافي، لمجموعات مسلحة محسوبة على تيار الفقيه البصري دخلت الأراضي المغربية عبر الحدود الجزائرية قصد قلب النظام الملكي في مارس 1973 تزامنا مع احتفالات عيد العرش من تلك السنة. وهو ما يؤكد ممارسات سوء النية والخداع المبيت والتضليل كسياسة رسمية تبناها النظام الجزائري تجاه المغرب منذ بداية الاستقلال إلى اليوم.
وكأن كل هذه الاعتداءات لم تشف الغريزة العدوانية لنظام بومدين، فانتقل إلى مستوى أبشع من خلال اقترافه جريمة الطرد القسري نهاية 1975 لأزيد من 45 ألف عائلة مغربية، أي ما يقارب 400 ألف نسمة، كانوا يقيمون بطريقة شرعية في مختلف المدن الجزائرية لثلاثة أو أربعة أجيال، دون ذنب أو جريمة إلاّ أنهم مغاربة، وقد أطلق عليها الرئيس الجزائري هواري بومدين اسم المسيرة السوداء أو “الكحلا” بتعبيره هو، انتقاما من المغرب الذي نظم المسيرة الخضراء لتحرير الصحراء المغربية من الاحتلال الاسباني، وفي ذلك أكبر دليل على أنّ النظام الجزائري هو الذي يحارب المغرب في الصحراء منذ نصف قرن، وأنّ ما يسمى “البوليساريو” ما هي إلاّ أداة في حربه القذرة ضد المغرب لتصفية حساباته الإقليمية.
Source : https://dinpresse.net/?p=19992