محمد عسيلة، أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا ومستشار في شؤون الاندماج والتربية والتعليم
نحتاج الى مشروع في سياق البحوث الاجتماعية تسترشد به المؤسسات الوصية على ملفات مغاربة العالم بعدما كثُر اللغط و الهرج والمرج و النقاش النظري لإشكالية الاندماج و مخاطر الانزلاقات في مستنقعات التطرف و التنكر للأصول و الجذور و للعرق في المقام الأول أمام ظهور هوية هجنة لا إطار و لا مرجعيات لها. تخوفات و هواجس ترافقنا و ترافق الأسر و الامهات و الآباء مرتبطة بالتربية و الاستيلاب و التطرف رغم النجاحات و الطفرة النوعية التي بدأنا نلمسها في التمرين المدرسي و الحاتمي لعدد من الاطفال و الشباب المغربي في هذا “الشتات”.
لقد كتبت مقالات أشرت فيها الى أهمية خلق كيانات ثقافية تشاركية تتحقق من خلالها الذات و نكسب من خلالها رهان الانتماء من بابه الواسع بدل التأكيد على هوية دينية غير مكتملة أو يعتبرها البعض فزاعة لما عاشته أوروبا و اكتوت بنيرانه في زمن ليس بالبعيد.
في هذا السياق المرتبط بالهوية الثقافية لا يتم النظر إلى هوية مجموعة ميكروسكوبية منفصلة على المجتمع بل كوحدة مجتمعية مُكملة بشكل موضوعي و عملي وديناميكي تدافعي محكوم بالتعاقد الاجتماعي النفعي لبقية البرامج و المقاربات المساهمة في السلم و السلام و الانسجام الاجتماعي و تحقيق الصلاح في الارض.
داخل هذه الهوية الثقافية التي تتفادى الصراع و التصارع و تسعى الى التكامل يمكننا خلق مواقف و محطات و بؤر إشعاع نقوم من خلالها بتقديم رؤية و تصور ومفاهيم تشاركية و بناء الجسور تبدأ من كنس الشارع العام في أيام العطل بشكل تطوعي الى المشاركة في مجالس برلمانية و زيارة العجزة في دور الحضانة والسياقات كثيرة و الأمثلة متعددة.
علينا أن نفهم دائمًا أن تشكيل هويات المجموعات بالتفاعل مع المجموعات الأخرى وترسيمها هي الطريق الأسلم في نظري لتخطي هذه السكتة القلبية و هذه السكونية و هذا الانبطاح و الصراعات المبتذلة داخل صفوف مغاربة العالم. لذلك ، فإن خصائص إنشاء هذه الهوية الثقافية التي أتحدث عنها متوفرة و موجودة بالفعل و بالقوة كما يقول الفقهاء و أعتبرها متغيرات ثابتة في نفوس مغاربة العالم، ولكنها تحتاج الى الصقل و التوظيف حسب المسار و السياق و الحاجة. نحتاج في هذا التوظيف الى تصور مرن خاضع لديناميكية قابلة للتقييم، فالتقويم نراعي فيه عملية البناء الاجتماعي في المنطقة و الشارع و المؤسسة باستحضار الإعلام و السياسة!
في هذا المشروع أو هذا التصور نعطي للفرد داخل جماعته /جمعيته/مسجده الحرية في الاختيار للمساهمة في المشاريع الصغيرة و الأوراش الكبرى حسب كفاءاته و ميولاته و رؤيته و تقوم بعد ذلك بتسويقه برؤية مقاولاتية تخضع للعرض و الطلب داخل هذه المنظومة الرقمية المعقدة. بهذا سنقوم بتحقيق الوجود الذاتي الثقافي للفرد و معه المجموعة و نفتح الباب للتصورات الناجحة لتشبيكها كنفعية مجتمعية مع الهيئات المجتمعية الأخرى و مع المؤسسات الاجتماعية و الثقافية و الدينية على اختلاف مشاربها. سنحقق درجة من درجات الإحسان الربانية و الخيرية و نطرد بهذا كل الانفصام و التصدعات و الشروخ التي قد تصيب بناء و جسد مغاربة العالم و نقاوم الاضطهاد و الإقصاء.
المجتمعات لم تنهض إلا حينما نهض الإنسان و خرج من قوقعته و انغلاقات فكره و حاول المساهمة في المسارات التاريخية لتنمية المجتمعات التي يعيش في كنهها من خلال فهم دوره الإنساني كمسؤول و كخليفة و كمدبر عاقل و راشد.
داخل هذا المشروع و هذه الرؤية التي أقدمها بين أيديكم لمناقشته و نقدها يجب أن لا نغفل أننا بهذا العمل و الفهم و الإيمان يمكن أن نخلق مخزونا مشتركا من النماذج الثقافية التي تبقى مستقرة مع مرور الوقت في ذاكرة المجتمعات التي نعيش فيها.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض لفسدت الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ). وقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُي ُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً) .
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=6846