موقع دين بريس ينشر المداخلة التي تقدم بها الدكتور خالد الشرقاوي السموني، رئيس المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات ضد الأطفال، على إثر الندوة الوطنية التي نظمها المركز حول: “وضعية الأطفال بجهة سوس ماسة: أية آلية للحماية؟ “، يوم السبت 18 فبراير2023 بأكادير.
نص المداخلة:
منذ عام 1990، يحتفي العالم باليوم العالمي للطفل بوصفه الذكرى السنوية لتاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان حقوق الطفل وللاتفاقية المتعلقة بها. وفي المملكة المغربية، تصادف سنة 2023 ذكرى مرور 30 سنة على مصادقتها على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
وبفضل العناية الخاصة التي يوليها الملك محمد السادس للنهوض بأوضاع الطفولة، أصبحت هذه الاتفاقية مرجعية أساسية لمجموعة من السياسات والمخططات والبرامج الوطنية الخاصة بالطفولة. حيث ما فتئ جلالة الملك يشير في خطبه إلى حقوق الطفل، وقد تضمنت الرسالة الملكية بمناسبة الدورة الثامنة لقمة منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية «أفريسيتي»، 24 نونبر 2018 بمراكش، توجيهات سامية في هذا الإطار؛ حيث قال جلالته: ” فيجب ألا تنحصر جهود حماية الأطفال في الحفاظ على سلامتهم الجسدية والمعنوية والنفسية، بل ينبغي أن تقترن أيضا بتوفير الشروط الكفيلة بالنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. (…) فهذا التحدي، وإن كان جسيما بحمولته، فهو جدير بأن نخوض غماره من أجل كسب الرهانات المرتبطة به”
وجدير بالإشارة في هذا الخصوص ، أن المغرب حقق انجازات مهمة في مجال حقوق الطفل بفضل الجهود التي بذلت لتكريس هذه الحقوق منذ التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عام 1989، ثم بالانخراط في هذه المنظومة من خلال التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات والبروتوكولات مثل البروتوكول الاختياري الثالث لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات سنة 2013 وهي نفس السنة التي تم التوقيع فيها على ثلاث اتفاقيات لمجلس أوروبا تتعلق على التوالي ب اتفاقية «لانزاروت» الخاصة بحماية الأطفال من الاعتداء والاستغلال الجنسي والاتفاقية المتعلقة بممارسة حقوق الطفل و الاتفاقية بشأن العلاقات الشخصية للطفل. كما صادقت بلادنا على مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي لها تأثير مباشر على حقوق الطفل، سواء تعلق الأمر بحماية الأطفال من التعذيب والمعاملة القاسية أو حماية العمال المهاجرين التي تضمن حماية لأفراد أسرهم، وحماية الأطفال من الجريمة المنظمة العابرة للحدود، ومن الاتجار بالبشر، والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد الفتاة.
وقد عبرت المملكة منذ توقيعها على هذه الاتفاقية عام 1993 عن التزامها النهوض بحقوق الطفل وحمايته، وهو ما تبلور عام 2006 في شكل خطة العمل الوطنية للطفولة 2006-2015 “مغرب جدير بأطفاله”، وهي الخطة التي ترجمت التزامات المغرب خلال الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بالطفل التي انعقدت في عام 2002.
وكرّس دستور المملكة لسنة 2011 حقوق الطفل ضمن باقي الحقوق الدستورية، إذ نص في الفصل 32 على أن الدولة “تسعى لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية . كما نص على أن «التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة»، وأحدث مجلسا استشاريا للأسرة والطفولة.
وقد عملت الحكومة على تعزيز الترسانة القانونية المتعلقة بحقوق الأطفال، باستصدار مجموعة من النصوص القانونية من بينها:
القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين، الذي يمنع تشغيل الأطفال أقل من 18 سنة في العمل المنزلي، والقانون الإطار رقم 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، الذي تضمن مقتضيات تهم حماية حقوق الأطفال في وضعية إعاقة، وإخراج القانون رقم 78.14 المتعلق بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، باعتباره مؤسسة دستورية ستتولى مهمة تأمين تتبع وضعية الأسرة والطفولة، وإبداء آراء حول المخططات الوطنية المتعلقة بهذه الميادين، وإثراء النقاش العمومي حول السياسات العمومية في مجال الأسرة والطفولة، وضمان تتبع وإنجاز البرامج الوطنية، والقانون رقم 27.14 المتعلق بالاتجار بالبشر، الذي يشدد العقوبة في حال ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر ضد قاصر دون 18 سنة ، والقانون رقم 65.15 المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، الذي يهدف إلى إصلاح وتعزيز هذه المؤسسات، بما فيها المؤسسات الخاصة باستقبال الأطفال، والقانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي تضمن الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل.
كما اعتمدت الحكومة في سنة 2015 السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة للفترة 2015-2025. وترمي هذه السياسة إلى تعزيز الإطار القانوني لحماية الطفل، ووضع أدوات إقليمية مندمجة لهذه الحماية مع إرساء نظام معلوماتي دقيق لمواكبة وتتبع وتقييم السياسات.
ورغم هذه المجهودات المبذولة والمبادرات التي قامت بها السلطات الحكومية المعنية للنهوض بحقوق الأطفال ، لم يستطع المغرب التغلب على مجموعة من المشاكل التي تعيق الحماية الاجتماعية لهذه الفئة ، حيث لا يزال هناك العديد من التحديات التي يتعين مواجهتها من أجل تحقيق عدالة أفضل في إعمال حقوق الطفل ، ولا يزال الأطفال الذين يعيشون في المناطق القروية والهامشية أو ينتمون إلى أفقر شرائح المجتمع ، في أوضاع جد صعبة ، لأن الإحصائيات الواردة في التقارير حول وضعية الأطفال بالمغرب ، سواء الرسمية أو تقارير المنظمات والجمعيات التي تعنى بحقوق الطفل ، تشير إلى جملة من الاختلالات والخروقات .
نذكر على سبيل المثال، أنه تم تسجيل خلال السنة الماضية نسب مرتفعة من حالات العنف ضد الأطفال والنساء بجهة سوس ، و كان أغلب ضحايا العنف هم الفتيات ، وتنطوي معظم أشكال العنف ضد الأطفال على عنف بدني وجنسي ونفسي ؛ وإهمال الرضّع والأطفال والمراهقين من قِبَل الأبوين ومقدّمي الرعاية ، داخل المنازل في أغلب الأحيان و أيضاً في المدارس ودُور الأيتام.
وفي مجال التعليم، رغم ما حققه المغرب من نتائج ايجابية في مجال تعميم التعليم الابتدائي، ومع ذلك، ينخفض معدل المشاركة بشكل كبير وتتسع التفاوتات في نسب الالتحاق بالمدارس بين المناطق القروية والحضرية والإناث والذكور في المستوى الإعدادي وبشكل ملحوظ في المستوى الثانوي ، إذ تبلغ نسبة الهدر المدرسي بعد الابتدائي مستويات مقلقة، حيث أن معدل الأطفال الذين لا يلتحقون بالمدارس قبل الابتدائي بلغ نحو 20 في المائة بالنسبة للذكور و نسبة 47 في المائة بالنسبة للإناث.
وعلى مستوى الخدمات الاجتماعية ، على الرغم من أن المغرب بذل في السنوات الأخيرة جهودا كبيرة لبدء إصلاحات وبرامج قطاعية تهدف إلى تحديث وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية على نطاق واسع في المناطق الحضرية والقروية، والقيام بإجراءات هامة في ما يخص الجهوية وإصلاح الحماية الاجتماعية ، وحماية الطبقات الاجتماعية الأكثر حرمانًا والاستثمار في التنمية البشرية ، إلا أنه مازال يشكل الحرمان والفقر في العديد من المجالات ، كالصحة والتعليم والماء والصرف الصحي والسكن والحماية الاجتماعية عائقا أمام تمتع الأطفال بحياة أفضل.
وفيما يتعلق بالاستغلال الجسدي والجنسي ، لا يزال عدد كبير من الأطفال و الفتيات يتعرضون لأبشع أنواع الاستغلال ، كالاغتصاب ، والاستغلال في التسول ، والاتجار في البشر ، والاستغلال الجنسي للأطفال في السياحة.
كما أن موضوع زواج الطفلات أصبح يشكل في المغرب مصدر قلق ، نظرا لتزايد عدد القاصرات المتزوجات قبل السن القانوني، حسب الإحصائيات التي يتم تسجيلها سنويا منذ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، وما يترتب عن هذا النوع من الزواج من تبعات وآثار وخيمة على تمتع الأطفال بحقوقهم، ويجعلهن أكثر عرضة للعنف البدني والنفسي والاستغلال الجنسي، ويتحملن مسؤولية أكبر من سنهن وعبء يفوق طاقتهن”.
فضلا عن ذلك، فإن تزويج الطفلات القاصرات يشكل إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون ضمان للفتيات فرص التعليم والعمل، وغيرها من الفرص، مما يساهم في هدر طاقات لا يستهان بها في بناء المجتمع، ويعوق تكوين جيل قادر على كسب رهان التنمية. لذا، اعتبرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة مكافحة زواج القاصر أحد الأهداف السياسية للتنمية المستدامة في أفق سنة 2030.
ولذلك ، في إطار فتح ورش مدونة الأسرة ، نطالب بإدخال التعديلات الضرورية على المدونة لتجاوز الثغرات والاختلالات القانونية، من خلال إلغاء المادة 20 منها، ليصبح سن الزواج محددا في الـ 18 بالنسبة للفتى والفتاة كما هو منصوص عليه في المادة 19 من المدونة.
وبالنسبة لتشغيل الأطفال ، فإنه بالرغم من إصدار قانون يجرم تشغيل الأطفال أقل من 15 سنة منذ 2011، إلا أن التقارير الرسمية ، تؤكد بكون آلاف الأطفال البالغين من العمر بين 7 و 15 يشتغلون دون السن القانونية . وبحسب نفس التقارير فإن أكثر من 90 % من الأطفال الناشطين يقطنون بالوسط القروي.
هذا مع العلم أن تشغيل الأطفال يعتبر نتيجة حتمية وطبيعية للهدر والعزوف والفشل المدرسي وكذلك التفكك الأسري والعوامل الاجتماعية والثقافية، التي تجبر الطفل على التخلي عن طفولته و الدخول في عالم الكبار المتسم بالمسؤولية .
وتعتبر ظاهرة الأطفال المشردين من الظواهر المنتشرة والمقلقة بكل مدن جهة سوس ماسة، حيث يصبح هؤلاء الأطفال وهم يتخذون الشارع العام مأوى لهم، عرضة لكل أنواع المخاطر من أوبئة وعنف جسدي ونفسي، في نقص كبير ، إن لم نقل غياب ، لمراكز الحماية بالجهة تأويهم وتقيهم ومن مخاطر الشارع.
وهذا ما يجعلنا نطالب ، بالاهتمام بقضايا أطفال الشوارع وتفعيل المقتضيات القانونية التي يتيحها القانون، لاسيما المقتضيات المتعلقة بالأطفال في وضعية صعبة، والأطفال المتخلى عنهم، من أجل القضاء على هذه الظاهرة، وتوفير ملاذات آمنة لهم، سواء داخل أسرهم أو في مراكز الحماية.
وفي ما يخص مراكز حماية الطفولة ، فإن عملية إيداع الأطفال ، بمقتضى مقرر قضائي، في مراكز حماية الطفولة، لا تتلاءم مع كيفيات إيداع الأطفال والتكفل بهم مع المعايير المحددة في الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل ، لأن هذه المراكز لا تخضع للمعايير الدولية المعتمدة في مجال الاستقبال والتكفل بالأطفال (المعايير المتعلقة بالبنايات والتجهيزات ونوعية التأطير وسلامة وحماية الأطفال)؛ وعدم خضوعها أيضا لمراقبة منتظمة من قبل السلطات الإدارية الوصية؛ مما يجعلها لا تضمن الحقوق الأساسية للأطفال.
ولا شك أن المملكة المغربية في إطار تنزيلها لمقتضيات الدستور والتزاماتها الدولية في مجال حقوق الطفل ، تواجه تحديات مستقبلية من أجل ”طفولة آمنة“، مما يقتضي بذل المزيد من الجهود . وفي هذا الصدد يقترح المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات على الأطفال ما يلي :
– تجميع جميع النصوص القانونية التي لها علاقة بحقوق الطفل في مدونة واحدة ،
– إخراج المجلس الاستشاري للأسرة و الطفولة إلى الوجود ،
– تعزيز حقوق الطفل وتعزيز منظومة الحماية الخاصة به ،
– ضمان حقوق الطفل خاصة في ما يتعلق بالولوج للتربية والتعليم والصحة ومحاربة الميز إزاءهم وحماية هذه الفئة المجتمعية من الاستغلال بشتى أنواعه ،
– تطوير الترسانة القانونية الخاصة بالطفل وملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية.
– مواصلة مسلسل الإنضمام لمختلف الأدوات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان خاصة حقوق الطفل.
– توفير الظروف الملائمة للمضي قدما في تفعيل الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة بما يأخذ بعين الاعتبار المصلحة العليا للطفل،
– تعزيز التقائية السياسات العمومية ذات الصلة بحقوق الطفل (السياسة العمومية المندمجة للطفولة، الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الانسان…) وتقييم نجاعتها وفعاليتها، لتحديد أوجه القصور ومعالجتها،
– تنسيق جهود مختلف الفعاليات والمؤسسات الوطنية والمدنية المهتمة بحقوق الطفل،
– الرفع من أداء الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل حتى تصبح آلية ضغط قوية وفعالة قادرة على الترافع بشكل اقوى على مختلف قضايا الطفل ببلادنا.
– اعتماد مقاربة تشاركية مع المجتمع المدني وكل الفاعلين في مجال حقوق الانسان و حقوق الطفل .
Source : https://dinpresse.net/?p=19654