محمد أومليل
نحن في فصل “تصحيح المصحف”، وقد سبق هذا الفصل، الأخير، فصول أخرى:
– الفصل الأول: محورية القرآن
– الفصل الثاني: موانع الفهم والاستمساك
– الفصل الثالث: الدراسات القرآنية القديمة
– الفصل الرابع: الدراسات القرآنية الجديدة
– الفصل الخامس: الدراسات القرآنية الحديثة
– الفصل السادس: الدراسات القرآنية المعاصرة.
قبل الشروع في تفاصيل موضوع “الفصل السابع: تصحيح المصحف” الذي قد يبدو صادما ومزعجا وخارجا عن المألوف؛ نود أن نطمئن من أصابهم نصيب مما تقدم ذكره ونخفف عنهم ذلك من خلال ما يلي:
– قلنا: “تصحيح المصحف” وليس “تصحيح القرآن”، وأهل الاختصاص في علوم القرآن يميزون بين “مصطلح قرآن” و”مصطلح مصحف”، وعلى هذا الأساس يقول أهل الاختصاص: “مصحف عثمان”، “مصحف عبد الله بن مسعود”، “مصحف حفصة”..، إلى غير ذلك من المصاحف المنسوبة لبعض الصحابة، ولا يقولون: “قرآن عثمان”، “قرآن عبد الله بن مسعود”، “قرآن حفصة”؛ لذلك هناك فرق بين تلك المصاحف حول التنقيط والتشكيل..، وما إلى ذلك من مواطن الاختلاف.
– القرآن محفوظ من قبل الله جل وعلا: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.
والدليل على ذلك؛ كل المصاحف، الموجودة في العالم كله ومنذ العهد النبوي إلى يومنا هذا، تضم نفس السور بنفس الترتيب ونفس المفردات، لكن مع الاختلاف في التنقيط والتشكيل؛ كونهما اجتهادا بشريا ظهر ابتداء في عهد حكم معاوية بن أبي سفيان واكتمل في عهد حكم عبد المالك بن مروان من حيث التنقيط والتشكيل، ثم تلت ذلك عدة تحسينات على المصحف، مثل: علامات الوقف، ترقيم الآيات، التقسيم (جزء، حزب، نصف، ربع، ثمن)، علامات قواعد التجويد، شرح بعض الكلمات على الهامش..، إلخ.
وإن كان ل”الذكر المحفوظ” معنى آخر؛ القرآن المنطوق، وليس المسطور، الذي له سند متصل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دون انقطاع، وهؤلاء (حملة كتاب الله) عن ظهر قلب بسند متصل إلى رسول الله هم قلة قليلة؛ تلقوه شفاهة بسند متصل إلى رسول الله كما تلاه حرفيا عليه الصلاة والسلام.
– اقتحام عملية “تصحيح المصحف”؛ هي بمثابة تنفيذ أمنية عثمان بن عفان، بعد مراجعته للمصحف الذي تحمل مسؤولية جمعه ونسخه لاحظ لحنا فقال حسب بعض الروايات:
” أخرج ابن أبي داود عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي قال: لما فرغت من المصحف (لاحظوا من المصحف وليس من القرآن. أما نحن اليوم: القرآن والمصحف سواء!) أتى عثمان فنظر إليه فقال: قد أفضلتم وأجملتم، نرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها “.
وفي رواية ثانية:
” أخرج ابن أبي داود عن قتادة أن عثمان لما رفع إليه المصحف (لاحظوا المصحف وليس القرآن) قال: إن فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها “.
رواية ثالثة:
” أخرج ابن أبي داود عن يحيى بن بعمر قال: قال عثمان: إن في القرآن لحنا وستقيمه العرب بألسنتها “.
بالإضافة إلى روايات أخرى تحمل نفس المعنى مع الاختلاف في الألفاظ.
إذن اقتحام عملية “تصحيح المصحف” هي بمثابة تنفيذ ما تمناه عثمان بن عفان صاحب مشروع جمع القرآن ونسخه.
– الكثير من الصحابة لاحظوا ذلك اللحن في المصحف من ضمنهم أم المؤمنين عائشة وابن عباس وغيرهما.
” أخرج أبو عبيدة في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي داود وابن المنذر عن عروة قال: سألت عائشة عن لحن القرآن (فذكر نماذج من ذلك)، فقالت له عائشة: يا ابن أخي هذا عمل الكتاب (جمع كاتب) أخطأوا في الكتاب “.
كل ما تقدم ذكره من منقولات مصدرها جلال الدين السيوطي مجدد القرن التاسع الإمام الحافظ المحدث المفسر الفقيه الأديب المؤرخ صاحب كتاب (الإتقان في علوم القرآن) يعد مرجعا أساسيا لكل من يريد دراسة قرآنية عربا وعجما بما في ذلك أكابر المستشرقين وعلى رأسهم ثيودور نولدكه!
المنقولات أعلاه مصدرها: (الدر المنثور في التفسير بالمأثور، عند تفسيره قوله تعالى: “لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة” تحدث فيها عن اللحن المتعدد الموجود ضمن الآية حول النصب والرفع).
وكذلك ابن عباس لاحظ العديد من اللحن: “قول ابن عباس عن قوله تعالى: (مثل نوره كمشكاة): هي خطأ من الكاتب، هو (سبحانه) أعظم من أن يكون نوره مثل نور مشكاة، إنما هي: (مثل نور المؤمن كمشكاة) [مصدر الخبر الإمام السيوطي في كتابه: (الإتقان في علوم القرآن، 542/1)]، إلى غير ذلك ممن لاحظوا اللحن في المصحف.
ورغم ذلك، هناك من يضعف تلك الروايات سندا ومتنا؛ وتلك التناقضات في المرويات، من السهولة بمكان رصدها في كتب الحديث؛ الرأي ونقيضه، بعض الأحاديث المتواترة صنفت ضمن الأحاديث الموضوعة، والعكس أحاديث موضوعة تم رصد صحة متنها!
وحتى أولئك الذين اعترفوا بتلك الاختلافات (اختلالات)، وجدوا لها تخريجات وتبريرات، من ضمنها؛ لا يمكن إخضاع القرآن إلى قواعد سيبويه، ومنهم من يربط تلك الاختلافات (الاختلالات) إلى اختلاف المدارس النحوية (الكوفة والبصرة). وما إلى ذلك من تخريجات وتبريرات لتفنيد اعتراف الأكابر من الصاحبة بوجود لحن في المصاحف، كما تقدم ذكره أعلاه.
هذا بشكل عام، حرصنا على ذكره ابتداء رغبة قي إزالة اللبس تجاه العنوان الصادم: “تصحيح المصحف” وإدخال شيء من الطمأنينة في نفوس بعض من ليس لهم علم مسبق بالموضوع كونه غير متداول بين المسلمين.
لو كانت شروط الحوار متوفرة ولدينا قابلية الاستدراك لما تلقيناه في بيئتنا التي ولدنا فيها ونشأنا وتربينا (العقل الجمعي السني)؛ لشرعت مباشرة في الحديث عن الموضوع دون تمهيد ومقدمات وتأصيل ومبررات واستئناس ومهدئات.
على العموم، اللحن الموجود في المصاحف، التي بين يدي المسلمين والناس عامة، يشمل: التنقيط، التشكيل، النحو، التأنيث، التذكير، الإملاء، وسقوط بعض الكلمات؛ كما لاحظ ذلك ابن عباس أعلاه.
سوف يتم تفصيل ذلك في الفقرات القادمة بحول الله وتوفيقه.