26 يوليو 2025 / 07:38

الدراسات القرآنية بين القديم والحديث: نقد الاستشراق

محمد أومليل 

مما يندرج ضمن أدوات العلم الضرورية؛ النقد البناء، ويعد كذلك عنصرا أساسيا للحداثة بالإضافة إلى إعمال العقل ونبذ التقليد وكل قديم يقيد ولا يفيد.
فإذا كان من ضمن مهام الاستشراق؛ نقد ثقافة الشرق وتراثه وعقائده وكتبه المقدسة وتقاليده وقيمه وعاداته، وهو حق شريطة أن يكون نقدا بناء؛ في المقابل هناك حق الرد وحق نقد النقد وحق النقد المستقل عن الرد ونقد النقد.
النقد البناء يكون مزدوجا؛ بحيث يشمل رصد الجانب الإيجابي والجانب السلبي على السواء وفق قواعد علمية رصينة وقيم أخلاقية نبيلة.
أما الانتقاد فهو مذموم مخل بالعلم والأخلاق معا، من ضمن عيوب الانتقاد؛ ممارسته دون قواعد علمية وقيم أخلاقية، والتركيز على الجانب السلبي وتضخيمه بالإضافة إلى الشخصنة، وتلفيق التهم مع السباب والشتم واللعن والتكفير والتخوين؛ غالبا ما يكون الدافع تعصبا دينيا أيديولوجيا لاأخلاقيا؛ عدوانيا تحامليا مشحونا بالكراهية والحقد والطاقة السلبية.
الاستشراق تعرض للنقد والانتقاد معا؛ من قبل بعض فلاسفة الغرب لا سيما بعض نقاد الحداثة ومنظري لما بعد الحداثة، وبعض اليسار الغربي واليسار العربي والقومي وأصحاب التوجه الإسلامي وعلماء الدين.
الصنف الأخير أغلبهم يقتصرون على الانتقاد، كما تم بيانه أعلاه، انتقاد سطحي عقدي إصدار مجموعة أحكام قيمة دون نقد للمناهج والآراء والأهداف والمقاصد بناء على أدلة وبراهين وحجج.
بخلاف ذوي ميول للفكر الإسلامي؛ منهم من يتوسل بالعلم والمنطق في إظهار الجانب السلبي دون الجانب الإيجابي؛ نوع من التحامل ونقد ناقص.
من ضمن رواد نقد الاستشراق؛ (أنور الجندي) المصري (2002،1917) أديب ومفكر إسلامي، له كتاب تحت عنوان: (سموم الاستشراق والمستشرقين).
بالإضافة إلى نقاد آخرين من توجهات مختلفة، في مقدمتهم (إدوارد سعيد) وكتابه الشهير: (الاستشراق) الذي أثار ضجة كبرى ونقاشا واسعا لدى مفكري الغرب.
وتبعه على نفس المنوال (وائل حلاق) له كتاب: (قصور الاستشراق).
نقاد الاستشراق كثر من توجهات مختلفة لا سيما توجهات يسارية وإسلامية، نذكر بعضهم على سبيل المثال لا الحصر؛ مهدي عامل، جلال صادق العظم، عبد الله العروي، محمد عابد الجابري، عبد الإله بلقزيز، أنور الجندي، حسن حنفي، راشد الغنوشي، طه عبد الرحمن، عبد السلام ياسين، أبو زيد المقرئ الإدريسي..
عموما، النقد شيء، والانتقاد شيء آخر؛ الأول محمود والثاني مذموم.
بالنسبة ل”نقد الاسشتراق”، الذي هو موضوع الفقرة، ينبغي أن يكون موجها للمناهج المعتمدة، والأهداف المعلنة والمستترة ضمن ما بين السطور والمتسربة ضمن بعض الوثائق التي رفعت عنها السرية وبعض التصريحات من قبل بعض الشخصيات الوازنة في عالم السياسة والفكر، بالإضافة إلى أسلوب الكتابة والصياغة ومستوى اللغة ومدى احترام قواعد البحث والمنهج العلمي من توثيق وتدقيق.
مما يندرج ضمن النقد البناء؛ طرح البديل منافسة في نفس المجال، مثل تأسيس “علم الاستغراب” مقابل “علم الاستشراق”.
ذلك ما دعا إليه السيد محمد الشاهد سنة 1989، فاستجاب للدعوة حسن حنفي فألف كتابا تحت عنوان: (مقدمة في علم الاستغراب) صدر سنة 1991.
من ضمن أهدافه؛ مناهضة الاستشراق علميا من خلال استيعاب الغرب واحتواء توجهاته وميوله الفكرية ومصادرها وجذورها وتفكيك عناصرها ومكوناتها، وكشف البنية التحتية للعقلية الغربية وقيمهم المزدوجة البناءة والهدامة، ورصد مواطن ضعفهم وأنواع أزماتهم، وكشف فكرهم الاستراتيجي وخططهم قريبة المدى والمتوسطة والبعيدة..، إلى غير ذلك من رصد مواطن القوة ومواطن الضعف على السواء.
على أي كما أن هناك نقاد الاستشراق، فهناك في المقابل: “تلامذة الاستشراق”، ذلك ما سوف نتناوله في الفقرة القادمة بحول الله وتوفيقه.