13 أغسطس 2025 / 10:28

الدراسات القرآنية بين القديم والحديث: أبو الأعلى المودودي

محمد أومليل

يُعد الرجل موسوعة علمية ورائد الفكر الإسلامي المعاصر من ضمن الصفات التي منحت له (أستاذ الفكر الإسلامي)، ذو عقلية ممنهجة لذلك وصفه ويلفريد كانتول سميث: “أكثر المفكرين منهجية في الإسلام”، بالإضافة إلى حركيته السياسية الديناميكية المذهلة بحيث كان سببا في فصل باكستان عن الهند، وكان صاحب فكرة مشروع إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وبعد إنشائها أصبح عضوا في مجلس الجامعة، وكان عضوا مؤسسا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، بالإضافة إلى أنه مؤسس الجماعة الإسلامية.

نظرا لحركته السياسية التي لا تفتر اعتقل ثلاث مرات بعد ما انفصلت باكستان عن الهند وحكم عليه بالإعدام سنة 1953 ثم خفف الحكم إلى سجن مؤبد ثم أطلق سراحه تحت ضغط أعضاء الجماعة وباقي الشعب الباكستاني كونه مؤسسا لدولة باكستان.

كان منفتحا سياسيا بقبوله المشاركة السياسية من خلال الانتخابات ضمن نظام ديمقراطي، كانت تلك التجربة رائدة ومرفوضة، في آن معا، من قبل أغلب قادة الحركات الإسلامية، آنذاك، من ضمنهم الأستاذ عبد السلام ياسين، صرح بذلك في بداية السبعينيات في كتابه (الإسلام غدا): “لنأخذ من السيد المودودي علمه، ما نتعلم منه، ونعتبر بعد اعتبارنا من كفاحه بأن الإسلام المتحزب مع الأحزاب، يقبلها ندا ويقبلها أسلوبا، لا يؤدي إلا لانشقاق المسلمين وضياعهم في غيابات الفتنة “(1).
لكن، الأستاذ، رحمه الله، بعد عقدين من ذلك الموقف تراجع عن رأيه وقبل بالمشاركة السياسية عبر انتخابات نزيهة: “تحت أنظمة تعلن أنها ديمقراطية، وأن نظامها مبني على الحريات العامة، لا يتأتى لنا نحن في فقرة الإعداد إلا بالدخول في المعمعة التعددية  “(2). وأعتفد أن الاستدراك الذاتي يعد فضيلة وليس عيبا، بل الجمود والإغراق في الدوغمائية هو العيب بعينه! (الأستاذ، رحمه الله، معروف عنه الاستدراك الذاتي في أغلب المجالات التي كتب فيها، باسثناء الخصال العشر وشعب الإيمان والمجال التربوي بشكل عام، ما دون ذلك قام باستدراكه بما في ذلك المجال التنظيمي والسياسي في تصوره المنهاجي، قام بذلك وصرح به بكل وضوح، لو بقي حيا لاستدرك الكثير مما هو قابل للاستدراك، لا سيما في مجال السياسة والتنظيم والحديث والفقه)
بالعودة إلى المودودي (1979،1903)، في الشق الخاص بالدراسات القرآنية، كان مهتما بالدراسات القرآنية وهو صاحب “التفسير الموضوعي” له عشرات المؤلفات ما يقرب من مائة مؤلف في عدة مجالات من حقول المعرفة: تفسير، حديث، فقه، تاريخ، فلسفة، قانون، اقتصاد، سياسة..، إلى غير ذلك مما يندرج ضمن العلوم العقلية والعلوم النقلية وعلوم الدنيا والدين!
من ضمن مؤلفاته التي لها شهرة واسعة:
– الخلافة والملك
– الحجاب
– الإسلام والجاهلية
– تفهيم القرآن؛ ثلاثون جزءا
– المصطلحات الأربعة “.
الكتاب الأخير رغم صغره (من الحجم الصغير عدد صفحاته: 138) لكنه عظيم الفائدة!
منهجه المعتمد في دراسته للقرآن: “التفسير الموضوعي”، بحيث يختار موضوعا محددا للدراسة ضمن القرآن، فيقوم باستقراء القرآن من خلال جمع كل الآيات المتعلقة بموضوع البحث (العدل مثلا)، ثم بعد عملية استقراء عام، ينتقل إلى دراسة السياقات دراسة مركزة ومستفيضة، ثم يخرج باستنتاجات ونتائج وخلاصات.
في كتابه القيم (المصطلحات الأربعة) قام بدراسة (الإله، الرب، العبادة، الدين)؛ على أساس “التفسير الموضوعي”، كما أسلفنا بيانه، فخلص إلى نتائج قيمة مبينا دلالات لكل مصطلح بشيء من التفصيل والتدليل.
كاتب هذه السطور أخذ عنه هذا المنهج في بداية الثمانينات وما زلت أشتغل عليه إلى يومنا هذا، وقد استفدت منه كثيرا؛ لأنه منهج ثابت غير قابل للتفنيد، حاليا، وصلاحيته ما زالت مستمرة إلى أن يثبت تفنيده بالدليل والبرهان، حيث نحن مع العلم سيرورة وصيرورة.
من ضمن نقاده الشيخ الجليل أبو الحسن الندوي في مجالين:
– نقص الجانب الروحي في تراث المودودي، وهجومه على التوجه الصوفي بالمطلق دون تمييز
– اختلافه مع المودودي في انفصال باكستان عن الهند، كانت رؤية الندوي يغلب عليه الهم الدعوي، في نظره بقاء وحدة الهند سيساهم في نشر الإسلام بالهند قاطبة.
في نظري الشخصي، أرى رأي الندوي صائبا في كلا الملاحظتين؛ تعميم الخرافات على التصوف بالمطلق مجانب للصواب والإنصاف ومخل للعلم والموضوعية. تقسيم الهند يخدم مصالح بريطانيا التي كانت مستعمرة للهند على وجه الخصوص، ويستجيب للفكر الاستراتيجي الغربي عموما.
ويبقى الأستاذ المودودي مدرسة كبيرة ذات أقسام متعددة في عدة حقول علمية ومعرفية وسياسية!
رحم الله أبا العلاء المودودي وكل من قدم ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم.
المراجع:
– ص 483.
-2، المنهاج النبوي، خصلة ااجهاد، فقرة الجهاد السياسي، ص 412.