11 أغسطس 2025 / 09:46

الدراسات القرآنية بين القديم والحديث: محمد رشيد رضا

محمد أومليل

منحنا الأولوية من حيث الترتيب لكتاب: “التحرير والتنوي في التفسير” نظرا لأهميته (في تقديري الشخصي)، أما السبق التاريخي فلكتاب “تفسير المنار”.
محمد رشيد رضا كان تلميذا لأستاذه الإمام محمد عبده ملتزما بمنهجه “الإصلاحي النهضوي” إبان حياته، لكن حين توفاه الله تحول إلى “داعية وهابي” بحكم عوامل موضوعية من ضمنها اتصاله بالملك عبد العزيز ناصر التوجه الوهابي بالإضافة إلى ما تريده القوى العظمى من كيد للأمة الإسلامية (على رأسها بريطانيا) وترسيخ تخلفها من خلال إجهاض “الحركة النهضوية” التي كان همها: التربية والتعليم والفكر والتوعية، أي إصلاح المجتمع بمعزل عن الصراعات السياسية كون ذلك يأتي في المرتبة الثانية بعد إصلاح المجتمع حيث إصلاح الدولة رهين بإصلاح المجتمع.
جميع مؤلفات الإمام محمد عبده كان محورها ما تقدم ذكره..، ولم يكتب عن “إقامة الخلافة”، كما فعل محمد رشيد رضا بعد وفاته بما يقرب من عشرين سنة حيث صدر كتابه “الخلافة” سنة 1922، تاريخ وفاة الإمام سنة 1905.
صرح محمد رشيد رضا هو نفسه في مجلة المنار:
” وإنما الذي أسكتني عن الحديث في السياسة الإمام محمد عبده”!
على العموم محمد رشيد رضا تحول من “مصلح نهضوي” إلى “داعية وهابي”، وبذلك لم يعد تلميذا للإمام محمد عبده، بل تلامذته الأوفياء؛ محمد عبد الله دراز، علي عبد الرازق، محمد عمارة..، إلى غير ذلك من أصحاب الفكر النهضوي الذين عاصروا الإمام محمد عبده والذين جاءوا بعده وتتلمذوا على كتبه.
من ضمن حسنات الإمام محمد عبده:
– اكتشافه لكتاب “الموافقات” والقيام بطبعه بمساعدة تلميذه الوفي (محمد عبد الله دراز).
– إلحاحه على دراسة كتاب “مقدمة ابن خلدون” حيث اقترحه على الأزهر لإدخاله ضمن المقررات الدراسية فرفض طلبه.
– من الأوائل الذين استعملوا مصطلح “سنة الله”، الناظمة للآفاق والأنفس ضمن كتبه.
محمد رشيد رضا كان همه دعويا سياسيا حركيا، يرجع له الفضل في تأسيس “جماعة الإخوان المسلون” بمعية محب الدين الخطيب؛ كانت لهما علاقة وطيدة بالشاب حسن البنا وسنه اثنى وعشرين سنة في هذه السن تم تأسيس “جماعة الإخوان المسلمون” سنة 1928!
بالإضافة إلى التشجيع والدعم من قبل الملك عبد العزيز والملك فؤاد والسفارة البريطانية بمصر(1).
” محمد رشيد رضا (1935،1865)؛ حسيني النسب مصري الإقامة عراقي الأصل شامي الولادة، ذو توجه وهابي رباه أبوه (علي رضا)، الذي كان إمام مسجد وشيخا للقلمون، وعلمه مبادئ الكتابة والقراءة والحساب، ثم انتقل إلى طرابلس لدراسة اللغة والعلوم الشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة وباقي العلوم العقلية.
من ضمن مؤلفاته:
– الوحي المحمدي
– الوهابيون والحجاز
– الخلافة
– مجلة المنار؛ استمرت من سنة 1899 إلى سنة 1935.
– تفسير المنار.
هذا الأخير بدأه الإمام محمد عبد فتوفي عند تفسير سورة النساء، فأكمله محمد رشيد رضا إلى حدود سورة يوسف وحالت وفاته دون إتمامه.
منهج تفسيره ورد ضمن مقدمة كتاب “تفسير المنار”:
” الاعتدال في التعامل مع هذه المقاصد التالية:
– اللغة والبلاغة
– النحو والصرف
– القصص والإسرائليات
– غريب القرآن
– الفقه والأحكام الشرعية
– علم الكلام ومقارعة الزائغين
– الوعظ والرقائق وحكايات المتصوفة
– التفسير الإشاري
– المصطلحات الفنية المعقدة.
وقد عرفت أن الإكثار في مقصد خاص من المقاصد يخرج بالكثيرين عن المقصود من الكتاب الإلهي ويذهب بهم في مذاهب تنسيهم معناه الحقيقي”.
بالإضافة إلى اعتماده على:
” منهج يقوم على التوفيق بين صحيح المأثور والمعقول مع التركيز على الهداية والإصلاح مع مراعاة البساطة في التعبير وتجنب المصطلحات الفنية المعقدة والقضايا الفقهية والدعوة إلى تطبيق تعاليم القرآن والسنة مع تخريج الأحاديث “.
كان همه الأول دعويا (الرجوع إلى الكتاب والسنة) سياسيا (إقامة خلافة إسلامية) على أساس توجه وهابي بحكم صلة محمد رشيد رضا بالملك عبد العزيز وكذلك محب الدين الخطيب من رواد السلفية صاحب (المطبعة السلفية) ومجلة، الفتح؛ بالقاهرة، حيث ساهمت في نشر مؤلفات ابن تيمية بدعم مادي من الملك عبد العزيز كونه داعما قويا متحمسا في نشر الوهابية، عن طريق رشيد رضا ومحب الدين الخطيب وحسن البنا.
على العموم، هناك فرق بين “التوجه الإصلاحي النهضوي” للإمام محمد عبده وتلامذته الأوفياء، الذي كان يضايق القوى الغربية ويمس مصالحها الاستغلالية التوسعية الاستعبادية من خلال فرض التبعية وترسيخ التخلف ودوامه، و”التوجه الوهابي” الذي سلكه محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب وحسن البنا ومن سار على نهجهم.
نختم بشهادة الأستاذ عبد السلام ياسين، رحمه الله، أحد قادة الحركة الإسلامية في أواخر القرن العشرين: “إن هؤلاء الإصلاحيين النهضويين (مدرسة الإمام محمد عبده)، رغم أخطائهم الفكرية والسياسية والعقدية (حسب تقييمه الشخصي) هم مؤسسو المدرسة الإسلامية الحديثة، عاشوا فترة اليقظة الأولى فانبهروا مع الناس وتأثروا بمعاصريهم وأثروا، وغالبوا التيار التغريبي العلماني (صراع أيديولوجي) اللبرالي وانغلبوا. لكن أفكارهم هي أساس بنى عليه رجال أثبت خطى على منهاج السنة (الوهابية) مثل الشيخ رشيد رضا ومحب الدين الخطيب رحمهما الله. ومن مدرستهما تخرج الإمام حسن البنا رحمه الله. وكل جيل أخذ ممن قبله عناصر وظفها في الفهم المستقبل “(2).
المراجع:
-1، أشارت إلى ذلك عدة مصادر غربية (الصحافي البارز جون كولمان، مارك كيرتش، روبرت داريفوس) ومصادر عربية (أحمد محمد شاكر، عباس محمود العقاد، علي عشماوي، جمال البنا) إلى غير ذلك من المصادر التي تناولت الموضوع بالتفصيل، من ضمن ذلك ذكر المنظرين الثلاثة لصناعة الجماعة (لورنس، جون فيليبي، برنارد هرسل).
-2، الإسلام والقومية العلمانية، ص 116.