أحمد عصيد
الداخلون إلى الإسلام والخارجون منه سواء، فللداخلين حججُهم وأعذارهم وللخارجين كذلك، لكن الناس في بلاد المسلمين لا يرون الأمر بهذه البداهة، فالإسلام عندهم هو الدين الذي يمكنك الدخول إليه بالزغاريد والخروج منه بقطع الرأس، ما يعكس قدرا كبيرا من التخلف الفكري والاجتماعي، هذا مع تسجيل أنّ الدولة المغربية خطت خطوة كبيرة منذ سنة 2014 في طريق الاعتراف بحرية المعتقد والضمير، بتوقيعها على قرار أممي بدون تحفظ، يتضمن التعهد باحترام حرية التدين في المغرب. كما أن المجلس العلمي الأعلى نفسه بعد أن ارتكب سنة 2013 خطأ اعتماد حديث منسوب إلى النبي في البخاري يقول “من بدل دينه فاقتلوه”، عاد سنة 2017 وصحّح موقفه بالقول إنّ الإسلام يتضمن حرية المعتقد في الكثير من الآيات القرآنية وأن ما يُسمى “حدّ الردة” لا يعدو أن يكون حُكما سياسيا وليس دينيا.
يحتفي المسلمون بمن دخل في الإسلام، لأن ذلك يعطيهم ثقة في إيمانهم الذي أصبح يعاني من هشاشة كبيرة بسبب التحولات الراهنة التي أبرزها الاكتشافات العلمية والدراسات التاريخية التي حطمت فكرة “العصر الذهبي” والشخصيات الدينية المثالية، وكذا انتشار الانترنيت الذي أشاع بين الناس الكثير من الحقائق التي كان يخفيها الفقهاء باعتبارها تضرّ بالدين وبإيمان الأفراد.
لكن بالمقابل لا يرتاح المسلمون لمن يغادر دينهم إلى دين آخر، أو إلى فضاء الإلحاد أو اللادينية، وهم لا يكتفون بمعاملته بلا مبالاة بل يفضلون التعبير له عن استيائهم في البداية ثم عن قدر كبير من البغض والكراهية بعد ذلك قد تتحول إلى حصار وتحرش دائم أو إلى عنف لفظي ومادي. يحدُث هذا مباشرة في الأوساط العائلية كما يقع في الأحياء أو عبر وسائط الاتصال والتواصل الحديثة.
مناسبة هذا الحديث واقعة انتقال أحد الإعلاميين الإسلاميين المغاربة مؤخرا من الإيمان الديني الإسلامي إلى الشك ثم الإلحاد، حيث اختار من باب الأمانة والصدق مع نفسه ومع الآخرين أن يحكي عن تجربته ومعاناته، ومن أغرب ما وقع نتيجة ذلك أن بعض الذين تفاعلوا مع تصريحاته من الإسلاميين دعوه إلى عدم الحديث عن تجربته والسكوت عنها حتى لا يستفيد من ذلك أعداء الإسلام ( !) والمضحك أن من عبّر عن مثل هذه الآراء برلمانيون إسلاميون، أي أنهم من المفروض أنهم ينتمون إلى النخبة لا إلى العوام، ويفهمون أبجدية الحرية والاختيار والفارق بين المجال الشخصي والمجال العام، لكن تعبيرهم ذاك الذي يعكس اضطرابا وارتباكا كبيرين، يدلّ على أنهم يفكرون بمفاهيم وتصورات لم تعد من عصرنا هذا منذ زمن طويل.
إن الإلحاد ظاهرة كونية تعرفها جميع الثقافات والديانات منذ أقدم العصور، والإسلام مثل بقية الأديان يدخل إليه أناس مثلما يغادره آخرون، إما نحو الإلحاد أو في اتجاه ديانات أخرى. والأمر لا يكتسي أي طابع درامي ويكفي التذكير بأن الإيمان أو الإلحاد معا يُعبّران عن موقف شخصي مُغرق في الذاتية، وعندما يسعى الآخرون إلى حشر أنوفهم فيه فإنهم بذلك يبرهنون على أن الإيمان لا يهُمهم بقدر ما تشغلهم الوصاية على الآخرين وكذا السلطوية وثقافة القطيع، وهي أمور إيديولوجية بالأساس ولا علاقة لها بالإيمان أو عدمه.
أما الملحدون أو اللادينيون فلا يكترثون بدخول الإنسان في دين ما أو بمغادرته، والسبب أنهم لا يعتبرون الإلحاد مشروعا سياسيا يتطلب نوعا من التجييش والتعبئة، بقدر ما يربطونه بالتحرّر الفردي، بينما الإسلاميون ينتفضون ويقعون في الارتباك كلما انتقل أحد ما من معسكرهم إلى فضاء الإلحاد أو اللادينية، لأنهم يعتقدون أنهم فقدوا “جنديا” من جنود الدعوة والخلافة القادمة التي لن تتحقق إلا في خيالهم.
وتبرز هذه الظاهرة بوضوح بأن الإسلاميين وحدهم من مازالوا يعلقون على الدين مهاما لم تعد من اختصاصه في عصرنا هذا.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=12288