25 يوليو 2025 / 21:12

الحوارات والمناظرات ومغالطة الشخصنة

عماد فوزي شعيبي. مفكر سوري 

مغالطة الشخصنة
د. عماد فوزي شُعيبي

يقول كارل بوبر: «النقد يجب أن يكون على الفرضية، لا على صاحبها»
ونقول: “متى ما استُبدلت الفكرة بالشخص، فاعلم أن الحوار فقد مضمونه.”

‏هنالك سلوك يتبعه البعض في المناقشات الاجتماعية والسياسية، وهو ما يؤدي إلى الشتائم والإتهامات الشخصية دون الدخول في موضوعات الحوار.
“أد هومينيم” حيث (Ad hominem ) تشير (باللاتينية”إلى الشخص”)، وفيها نعتبر أنها أقرب إلى الشخصنة في الحوار. إذا بدلا من مناقشة الأفكار التي يحملها الطرف الآخر يتم الهجوم عليه أو استخدام نفس أفكاره التي يرفضها الطرف الآخر أصلاً ضده.
‏وهنالك ما يمت إلى نفس الموضوع بصلة وهو مصطلح: ” المحاججة الشخصية (Argumentum ad hominem )، وهو يُشير أيضاً إلى عدة أنواع من الحجج التي يهاجم فيها المتحدث شخصية أو دافع أو أي سمة أخرى للشخص الذي يطرح الحجة بدلًا من جوهرها. هذا يُجنّب المرء النقاش الجاد من خلال تحويل الانتباه، غالبًا باستخدام سمة شخصية أو خلفية للخصم، غير ذات صلة بالموضوع، ولكنها غالبًا ما تكون مشحونة بالحقد أو بالكراهية أو بالاتهامات، دون التطرق إلى جوهر النقاش.
هناك استخدامات أخرى لمصطلح (ad hominem) وهو “الهجوم بأدوات الشخص” نفسه؛،وتشير هذه الاستخدامات عادةً إلى التكتيك المتمثل في استخدام معتقدات وحجج الشخص المُستهدف ضده، مع عدم الموافقة -أصلاً- على صحة تلك المعتقدات والحجج.
‏وقد تتخذ هذه المغالطة شكل تعبير “وأنت كذلك”. بأن يرد المرء على وجهات نظر لشخص فيها سلبيات عامة بتخصيص هذه السلبيات نحو الشخص الذي يطرح رأيه. كأن يطرح أحدهم سلبيات نظام سياسي فاسد ويرد عليه الطرف الآخر أنت فاسد أيضاً، دون مناقشة الموضوع الأساسي!
وقد يأخذ هذا النموذج سلوكا يحكم على الأشخاص من خلال سرائرهم وكأنه أحدا يمكن أن يعرف سرائر الناس ونواياهم !!! وهذا من أخطر أشكال الشخصنة؛ لان من يقوم بهذا السلوك يعتبر نفسه إلهًا يعرف ما في النفوس.
‏وكمثال:
قد يطلب الطبيب من المريض التوقف عن التدخين لأنه سيضر بصحته، هنا يمكن أن يرد المريض على الطبيب كيف اتوقف عن شيء أنت تمارسه أيضاً. ولكن هذا لا يُغيّر حقيقة أن التدخين قد يُسبب أمراضًا مُختلفة وأن وجهة نظر الطبيب هي وجهة نظر علمية وبالتالي لا داعي لرفضها بالشخصنة.

أولاً: أمثلة تاريخية

1. سقراط والمحكمة الأثينية

عندما حوكم سقراط، لم تُناقش أفكاره الفلسفية بعمق في المحكمة، بل استُخدمت شخصيته كذريعة للحكم عليه. اتُهم بأنه يُفسد عقول الشباب، وأنه ملحد، بدل الرد على أطروحاته العقلية.

ثانيًا: أمثلة سياسية

1. مناظرات الحملات الانتخابية الأمريكية

يستخدم بعض السياسيين الأمريكيين أسلوب الشخصنة (Ad Hominem) بكثرة، كأن يقول أحدهم عن خصمه: “لا يمكنك أن تثق به لأنه لا يدفع ضرائبه”، بدلاً من مناقشة برنامجه الاقتصادي.

ثالثًا: أمثلة اجتماعية

1. الجدل حول النسوية

عندما تطرح احدى النساء وجهة نظر جذرية أو ثورية، يُهاجمها البعض بقولهم: “أكيد عانس!” أو “لديها عقدة من الرجال”، بدلاً من مناقشة محتوى الطرح.
2. وصم المفكرين في المجتمعات العربية
كثير من المفكرين وُصفوا بأنهم “مأجورون” أو “عملاء” فقط لأنهم تبنوا أفكارًا لا تروق للأغلبية، وتختلف مع الفكر الرائج ، دون نقاش فكري فعلي. وبعضهم أُتهم بعمالة السلطات القمعية، لمجرد أنهم قدموا أفكاراً قد تفيد الدولة.

رابعًا: أمثلة نفسية

1. ردود فعل دفاعية في العلاج النفسي
حين يواجه المعالج المريض بحقيقة صعبة، قد يرد المريض باتهام المعالج بأنه “مغرور” أو أنه “لا يفهم أصلا في علمه”، هروبًا من مواجهة الألم الحقيقي. أو في توجيه نفس الحقيقة التي واجهه بها كتهمة توجه إلى المعالج.

2. الإسقاط في العلاقات الشخصية

في الخلافات الزوجية، كثيرًا ما يتم الرد على النقد بهجوم على الشخصية، كأن يقول أحدهما: “تنتقدني لأني فشلت، وأنت طوال حياتك لم تنجح بشيء”.

خامسًا: أمثلة اقتصادية

1. نقد الاقتصاديين بناءً على ماضيهم
عند حدوث أزمة اقتصادية، قد يُهاجم محلل اقتصادي لأنه “سبق أن أخطأ في توقع السوق”، بدلاً من مناقشة رأيه الحالي وأدواته. وفي هذا إسقاط الماضي على الحاضر بشكل شخصي مغلوط.

2. الحروب الاقتصادية على شخصيات رجال الأعمال
مثل الهجوم على مؤسس شركة ناجحة بوصفه “جشعًا”، لتقويض مصداقية الشركة، رغم أن النظام الرأسمالي نفسه قائم على مبدأ الربح.

سادسًا: أمثلة تجارية

1. المنافسة في سوق الشركات الناشئة
شركة قد تُهاجم شركة أخرى بتسريب أخبار عن ماضي مؤسسها (كفضيحة شخصية)، عوض التركيز على المنتج نفسه. وهنا يُستغل سلوك Ad Hominem في التسويق السلبي.
2. الهجوم على حملة مقاطعة تجارية
حين تُطالب حملة بمقاطعة منتج بسبب ممارسات الشركة، يُهاجم المتحدث باسم الحملة شخصيًا: “أنت أصلاً تستخدم منتجاتهم!”، دون مناقشة جوهر الحملة.

أمثلة تجارية واقعية على مغالطة الشخصنة:
1. حملة “I’m a Mac / I’m a PC” – شركة Apple
قدّمت آبل نظامها على أنه أنيق، إبداعي، وشاب، بينما قدمت نظام ويندوز على أنه ثقيل وبيروقراطي من خلال تمثيل مستخدمه كشخص كبير أو ليس عصا أو ممل. هنا تمت مهاجمة الصورة الذهنية للمستخدم لا المنتج ويُحوّل الصراع إلى طابع ساخر من شخصية مستخدم ويندوز.

2. إعلانات بيبسي Pepsi التي كانت تسخر من مستهلكي كوكاكولا:
استخدمت بيبسي مقاطع ترويجية يصاب فيها الشخص الذي يشرب كوكاكولا بخيبة أمل أو يُظهره الإعلان كأقل “عصرية”. فبدلًا من نقد المنتج، يتم تصوير مستهلكه وكأنه متأخر أو متخلف وغير عصري.

3. إيلون ماسك – Tesla ضد النقاد. هاجم ماسك بعض الصحفيين الذين ينتقدون سياراته، بوصفهم “مأجورين من شركات النفط” أو “غير مؤهلين”. وهو بهذا لم يكن يرد على محتوى النقد، بل يهاجم نوايا النقاد. وهذا شيء خطير لأنه يحكم على الأشخاص من خلال سرائرهم.