16 يونيو 2025 / 00:33

الحكمة: فن تنزيل التنظير على واقع معاش

د. محمد غاني ـ كاتب من المغرب
“ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا”، “ويعلمهم الكتاب والحكمة”، آيتان عظيمتان يتضمنهما أقدس دستور في هذا الوجود، وهو القرآن الكريم، في إشارة لطيفة لذوي النهى، حتى يتدبر المتفكر، ويتفكر المتدبر، ليغوص في لآلئ معانيها، فيطرب فرحا لما سيجد، فيغنيه عن التعب، لأن من صادف الصدف الذي يكتنز اللؤلؤ طرب وفرح، حيث إنه بكل بساطة قد اغتنى.

هكذا حال المؤمن المتفكر المتدبر مع بحار معاني القرآن، تجده يتبحر سباحة فكرية في معانيه أياما وليالي، فيغوص تارة ويرتاح أخرى، عسى أن يصادف المحار فيفتحه، فيعثر على الدرر من المعاني، واللآلئ من المضامين، والجواهر من السياقات والرموز والمغازي والإشارات.

الحكمة عند أهل الشرع هي السنة، بمعنى أن المراد من قوله تعالى “ويعلمهم الكتاب والحكمة” أي ويعلمهم القرآن والسنة. لكن ما هو القرآن في الأصل حتى نفهم السنة كفرع؟

القرآن هو الوحي المنزل على مولانا رسول الله، في آيات وسور تتضمن عبرا وأحكاما شرعية ليحتكم إليها البشر في أقضيتهم، فيجدوا فيها أجوبة شافية لمسائلهم، لذا كان القرآن دستور حياة، لكن آياته تحتاج إلى تشخيص دقيق لتنزيل ما هو سماوي على ما هو أرضي، أو قل ما هو قديم أزلي على ما هو محدث، أو قل ما هو تنظيري على ما هو تطبيقي، أو قل ما هو تجريدي على ما هو ملموس.

ولذلك وصفت أمنا عائشة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه “قرآن يمشي على الأرض”، بمعنى ملائكي يستطيع تشخيص ملائكيته أرضيا، ولذلك تعجب غير المسلمين بقولهم: “ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟”.

إن قدرة الإنسان على تشخيص ما هو تجريدي، وتمرسه على تنزيل القوانين الرياضية والفيزيائية والفلسفية والفقهية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والثقافية والأنطولوجية والأنثروبولوجية والإبستمولوجية وغيرها على أرض واقعه المعاش، هو ما يجعله يحيى حياة طيبة، لأنه يطور بتلك المناهج طريقة وأسلوب عيشه إلى ما هو أحسن.

لفهم ما هو تجريدي، نظري، فلسفي، قم بتشخيص ذلك بأمثلة حية من حياتك اليومية، تجد الفهوم والمضامين والسياقات والإشارات تتوارد عليك.