الحسن الثاني كما أحببته

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري25 يوليو 2021آخر تحديث : الأحد 25 يوليو 2021 - 7:39 صباحًا
الحسن الثاني كما أحببته

محمد علي لعموري
أعتقد جازما أن الكثير من الأصدقاء الذين سيطلعون على هذه المقالة لن يعجبهم صدق المشاعر التي كتبتها بها، فالبعض منهم عاش سنوات الرصاص، وتجرع مرارة التجربة السياسية في عهد الملك الراحل التي كان لها ما لها وعليها ما عليها، ومع ذلك لم أتعمد الاستفزاز، ولن أخشى الاعتراض من جانبهم على ما جيء في المقالة، لعلمي أن اعتراضهم لا يعتمد الموضوعية المطلقة، مثلما أن عنوان مقالي لا يستند على معايير الموضوعية في قياس حب شخص، فبالأحرى أن يكون هذا الشخص جلالة المغفور له الحسن الثاني رحمه الله.

كنت شابا يافعا حين بدأت أتابع الاستماع ؛ على شاشة التلفاز ؛ إلى حوارات الملك الراحل الحسن الثاني. كان أبي قد تقاعد للتو من الخدمة العسكرية في صفوف القوات المسلحة الملكية، وبعدها كان رحمه الله قد اشترى لنا جهاز تلفاز صغير بدون ألوان، ومن خلاله كنت أتابع نشرات الأخبار التي كانت تعرض حوارات جلالته مع الصحافة الفرنسية مترجمة باللغة العربية.

كان إعجابي بالملك الراحل يتصاعد ويتقوى ويكبر عند كل متابعة للعديد من الحوارات المترجمة، ففيها لمست مسحة الذكاء الكبير الذي كان يتمتع به الحسن الثاني، ومراوغته لبعض الصحفيين المشاكسين الذين كانوا يحرجون جلالته ببعض الأسئلة المرتبطة بملف حقوق الإنسان بالمغرب، وسجن تازممارت، وتزوير الانتخابات في عهد وزير الداخلية في عهده ادريس البصري…الخ

لم يكن لدي وقتها كل النضج السياسي للإحاطة بكل تفاصيل الخبرة لتشكيل قناعة سياسية تلحقني بطابور المعارضة الراديكالية.

وأذكر أنه قبل أن ألتحق منتصف العقد الاخير من القرن الماضي – أي قبيل بداية تجربة التناوب التوافقي بسنوات قليلة بصفوف الشبيبة الإتحادية- كنت قد اقتنيت أول إصدار لكتاب “ذاكرة ملك” عام 1993، وكان ذلك في شهر رمضان، فعكفت على قراءة الكتاب وأنا كلي شوق وتوق للإطلاع على تفاصيل التجربة السياسية وسيرة ملك ملأ الدنيا وشغل الناس.

وقبل قراءة الكتاب ذاك، كنت مهيأ نفسيا للتعامل مع هذا النوع من الأدبيات التي تخلق لدى القارىء الجاد نوعا من الحساسية تجاه رجالات السلطة ورؤساء الدول لاقتناعهم المسبق المبني على الحكم الجاهز والتجميع اللاموضوعي لعناصر الرفض، ما يجعلهم يضربون صفحا عن شراء وقراءة هذا النوع من السير الملغمة بالمعلومات السياسية المتضاربة حولها الآراء والقناعات.

الحسن الثاني كما عرفه العدو قبل الصديق، كان أبرز شخصية في الحياة السياسية المغربية، فأسلوب حكمه اتسم بالسلطوية حتى لا نغالي ونقول الديكتاتورية، فطبيعة المرحلة، وطبيعة النظام العالمي في سنوات الستينات والسبعينات، جعلت أسلوبه يتميز بالصرامة وقمع المعارضة.

كان محيط السلطة يمتح من عقيدة حماية الملكية بعد فشل محاولات الإطاحة بها، فبالغ الذين مارسوا الحس الأمني داخل البلد في قمع المعارضة بحجة حماية النظام من التهديدات الداخلية المحدقة به، فكان ما كان من اختفاءات قسرية، واعتقالات ورقابة ومنع وتزوير في الديمقراطية الفتية، وضعف في المؤسسات وتحكم ممنهج فيها، ما جعل المغرب محط انتقادات دولية حاول الملك الراحل التصدي لها بكل فنون الخطابة والتحاور الذكي الذي يروم إفراغ أسئلة وقلق المتتبعين والمتسائلين من محتواها بغية تبخيس حجم الحملات الإعلامية الممنهجة ضد المغرب.

لا يمكن نفي كل أوجه الشراسة في الصراع بين المعارضة والملك، وأن هذا الأخير كان عنيدا ولا يقبل من يواجه الدولة بسيف الحرية التي لا يؤمن بها حتى أولئك الذين كانوا يرفعونها فزاعة في وجه السلطة، لأن عقيدة الإشتراكية تقوم على مصادرة كل ما من شأنه عرقلة المشروع الماركسي-اللينيني الزاحف نحو الشيوعية في عقر البيت السوفياتي، ومشروع الوصول إلى السلطة في البيت السياسي المغربي، حتى لو كان هذا التهديد هو هامش الحرية الذي يتمتع به الأفراد.

كان الحسن الثاني يتباهى بشخصيته القوية وقدرته على امتصاص غضب الجماهير، من خلال خطب للإستهلاك الداخلي الهدف منها تذويب عناصر الصراع، وتطويق امكانات المعارضة التي كانت لها صحافتها وجرائدها، بينما كانت حوارات جلالته مع الصحافة الفرنسية من أجل تلميع صورة المغرب، والرد على مناوشات الخصوم من الصحافة الأجنبية التي كانت تنتقد نظام الحكم في عهده.
يحسب للحسن الثاني أنه نهج ببصيرته وبعد نظره السير على خطى نظام ليبرالي يعاكس الدول التي كانت تحوم حول مدار الاتحاد السوفياتي وقتها، وأنه ركز على بناء مغرب يرتكز على دولة القانون والحق، أي سيادة القانون قبل الحقوق، وهنا وجه الاختلاف بينه وبين من لاموه على سلطويته المفرطة التي حجمت دور المؤسسات، وقوت مراكز السلطة وتمركزها قبل مجيء عهد اللامركزية واللاتمركز.

يحسب له كذلك أنه نهج سياسة السدود التي ساهمت في بناء اقتصاد فلاحي يعتمد على التصدير، كما راهن على جعل الدولة قوية بمؤسسات وترسانة قانونية تحميها من هبات وهزات تعصف بالوطن، مثلما حدث في ليبيا التي كان يحكمها العقيد معمر القذافي من خلال لجان شعبية لم تسعفه في صد الطوفان الذي انفجر في تونس واندلع في بلاد عربية سقطت فيها أنظمة عاتية عام 2011 في إطار ما عرف خطأ بالربيع العربي.

قبل رحيل الحسن الثاني، تهيأ المغرب على يديه إلى أول تجربة بالوطن العربي حينها وهي مجيء المعارضة لتحكم وتتمرس عليه، وفي انتخابات 1997، صعدت المعارضة وتشكلت حكومة ائتلافية بتناوب توافقي ضمن لها الملك الراحل عدم السقوط بملتمس رقابة.

وهكذا وفي 23 يوليو عام 1999 سيرحل الملك الحسن الثاني تاركا لخلفه ملفات فوق مكتب الحكم منها قضية الصحراء، وتعزيز البناء الديمقراطي، ومشكلة الفقر، ومعضلة البطالة..

أحببت الحسن الثاني بما له وما عليه، لأني كنت على قناعة أنه إنسان مثلنا والكمال لله، وكما كان سلطويا سعى لتجنيب المغرب كوارث الانقلابات والتآمرات، فقد كانت له اسهامات قوية في وضع أسس بناء الدولة المغربية الحديثة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.