ابراهيم أتحاش
كان من المفروض أن تكون الحركة الاسلامية وريثة التاريخ المغربي والتراث المغربي والأرضية الثقافية المغربية المتشبعة بالثقافة الإسلامية. وكان من المفروض، فلماذا تنكرت لكل هذا الميراث وسلكت طريقا آخر وجغرافية ثقافية أخرى؟ فما الأسباب التي تقف وراء هذه الوقائع؟
1 – تجربة حركة الشبيبة الاسلامية (أواخر الستينات والسبعينات) ارتباطا بالتراث المغربي:
* أعتقد أن الارتباط شبه منعدم لإرتباطها بالمرجعية الإخوانية المشرقية الواضحة، قيادات تغذت من كتب سيد قطب والمودودي وحسن البنا ورموز الاخوان ما كان لها ان تنتج من داخل الجغرافيا الثقافية المغربية. فهي بعيدة جدا.
2 – تجربة البديل الحضاري والشروق والمستقبل وحركة الامة وغيرها من الجمعيات التي انشقت عن الشبيبة (الثمانينات والتسعينات والعقد الأخير من الألفية الماضية):
أيضا المعطى الثقافي المغربي غائب عندها واللمسة المغربية غائبة، التركيز على التفكير من داخل جغرافية الأمة من الخليج الى المحيط وحتى من جاكارتا إلى طنجة بمرجعية اخوانية وأولويات واهتمامات اخوانية. فتاهت في المشرق دون أن تلتفت إلى ما تحت رجلها من كنوز.!
3 – حركة الجماعة الإسلامية التي أصبحت حركة الاصلاح والتجديد ثم التوحيد والتجديد (الثمانينات إلى اليوم):
أيضا لم تخرج عن مرجعية الشبيبة والاخوان مع لمسة وهابية أثرت سلبيا عن مغربية الحركة.
* لكن الجيد تتبعه، هو ان الحركة دخلت المعترك السياسي الرسمي فأصبح لها احتكاك قريب جدا من جغرافيا ثقافية اخرى، لها التصاق بالمغرب وثقافة المغرب، فأصبحنا أمام مرجعيتان اسلاميتان لكن من داخل جغرافيتان ثقافيتان مختلفتان، كان الأمر في أحيان كثيرة مبعثا للتأمل وحتى الضحك، فحين ترى سي ابن كيران وعبد الله بها والعثماني بالجلباب والسلهام المخزني تخالك أمام أشخاص يلبسون على غير عادتهم أو ما هم ينتمون له، أو عند طقوس البيعة والعلاقة مع الملوك وغيرها، كنا دائما نرى أنهم على المستوى الثقافي لا ينتمون لنفس المرجعية ونفس الأرضية، ولذلك كان تقبل الحركة داخل القصر وتمثيل حكومة المخزن فقط اضطراري وظرفي فرضته ظروف المشرق تحديدا ( الربيع العربي )، فكان ضرب المخزن للموجة العاتية الآتية من المشرق هو بطرف مغربي مشرقي. ذكاء من الثقافة المغربية في احتواء المد المشرقي بل وإبطال مفاعيله.
4 – جماعة العدل والاحسان، الرقم الصعب لعقود، تجربة نحتاج النظر فيها وتفكيكها بروية لأنها مركبة بطبعها. فمن خطورتها أنها تشترك مع المخزن والقصر في جوانب من الجغرافيا الثقافية المغربية، عبد السلام ياسين هو ابن الزاوية البودشيشية لصيقة الارتباط بالأرض المغربية ثقافة وتدينا وهو أيضا أمازيغي من عمق المغرب الأصيل وابن ثقافة مغربية حقيقية لكن ما الذي منع الجماعة أن تنافس على حقها في الجغرافيا الثقافية المغربية:
– 1 السبب الرئيسي: الموقف من الملكية والموقف من المخزن، موقفان أثرا كثيرا على التوجه الثقافي للجماعة، فهربت من كل ما له صلة أو قرب بالثقافة المغربية المدعومة مخزنيا، هروب أفاد المخزن وأضعف الجماعة..
– 2 اختراق الجماعة من قبل التيار المشرقي بخطيه الإخواني والوهابي وحتى الشيعي، خطوط كلها مشرقية حاربت المغربة بشكل كبير وقد عشت ولاحظت وتتبعت الصراع القوي بين التيار الياسيني الأقرب ” نسبيا ” للمغربة وهم أبناء الزاوية وبين تيار سي محمد البشيري الإخواني الحركي المنتمي للثقافة المشرقية.
صراع انتهى أواسط التسعينات بانتصار ” المغربة النسبية ” مع بقاء التيار الآخر موجودا حتى دون أصالة، التيار الياسيني فرض القراءة على الصيغة المغربية ولباس الجلباب والتصالح مع ” الطلبة ومتعهدي المساجد القريبين من المخزن ” وحتى الرجوع للأمداح المغربية والسماع المغربي بعد سطوة أبو الجود وأبو راتب وحسن حفار والمشارقة.
هل اشتغلت الجماعة على الثقافة المغربية؟
اكيد لا، ولم تفهم وتستوعب أهمية ذلك، لا أعتقد سي عبد السلام كان غافلا عن هذا وهو اللبيب الذكي الفطن، لكن الموجة كانت أكبر منه والمشرقة كانت تحقق انتصارات في الميدان وبالتالي هي صاحبة الصوت العالي.
* في العموم ضيعت الحركة الاسلامية المغربية بكل مشاربها فرصة الاستفادة من كنوز هذا البلد وتراثه وتاريخه وعظيم رجالاته.
المصدر: صفحة الكاتب ابراهيم أتحاش على فيسبوك:
المصدر : https://dinpresse.net/?p=17833