محمد أكعبور ـ مرشد ديني وباحث في الخطاب والإعلام الديني
تذكير:
وصلة بما ذكرناه سلفا في مقال سابق، وارتباطا بمفاصله الكبرى التي تفرعت عنه مسائل جزئية كأهمية الإعلام، والمواكبة الإعلامية للخطاب الديني زمن الجائحة، وتدخلات الفاعل الديني الرسمي المحلي؛ استأنف اليوم حلقة أخرى لتكون تمهيدا لما مضى، ومقدمة لما سيأتي.
وآثرت أن تكون فلسفة هذا الاستئناف بمثابة ملزمات أخرى سأضيفها لما سلف لتكون ذيلا عليها، وإلحاقا بها، واستمدادا منها، بدءا بالتجربة اللغوية في التبليغ الإلكتروني، والأداء الديني الرقمي -التنوع والدلالة- ومرورا بأهداف خطاب المؤسسة العلمية، وانتهاء بخصائص الخطاب الديني في زمن كورونا، ولما عددت الثلاث مسائل في المقال الأول، ناسب أن أتابع الترقيم العددي لها في صنوه الآخر فأقول:
رابعا: التجربة اللغوية في التبليغ الإلكتروني
سلكت تلكم المجالس العلمية المحلية نفس الخطة العلمية والعملية التي رسمها المجلس العلمي الأعلى حيث أعدت خطة عمل “تستند إلى استثمار كل إمكانات التواصل عن بعد تفاديا لتوقف الأنشطة” كما قال السيد الدكتور سعيد شبار رئيس المجلس العلمي لبني ملال، ومنسق المجالس العلمية المحلية بجهة بجهة بني ملال خنيفرة في حوار خاص له مع : MAP.
ولا يخفى على كل متتبع أن تجربة الفاعل الديني مع الإعلام الديني الرقمي والاجتماعي زمن الجائحة؛ تجربة جديدة كشفت عن مكامن القوة في وقت اشتدت فيه حاجة للمواطنين إلى هذا النوع من الإعلام الديني “الجيْبي”.
والناظر لكل التجارب الفتية التي ظهرت على طول زمن الجائحة في الخطاب الديني؛ يظهر له أنها عرفت تنوعا كبيرا على عدة مستويات: سواء على مستوى مضمون الخطاب الديني وشكله؛ أم عن طرق تصريفه، وفنيات إلقائه، فضلا عن نوع الخطاب الظرفي الذي تتخلله كمناسبات دينية ووطنية وكونية، وتمتزج فيها لحظات غالية من التاريخ المغربي مع الحضارة الأصيلة، ويتعانق معهما من جهة أخرى النص الديني بأسلوب عصري يتماشى مع متطلبات التدخل الإلكتروني وفنيات الوعظ الرقمي إلى وقت إعادة فتح المساجد والجوامع.
ومما ينبغي التنويه به هو التنويع اللغوي المستند إلى دستور المملكة 2011والمستمد من هويتنا العرقية في اعتماد اللغة العربية والأمازيغية المعيارية منها والتواصلية اليومية ليستفيد الجميع من الجميع.
وقد تجاوز الخطاب الديني الوعظي الرقمي مسألة اللغات واللهجات المحلية؛ إلى حد الانفتاح على اللغات الأجنبية كالفرنسية والإنجليزية؛ وتحضرني في هذا الصدد تجارب نموذجية رائدة في هذا المجال كتجربة المجالس العلمية بكل من سلا وبني ملال ، وشيشاوة مما لم يعهده رواد مواقع الخطاب الديني ببلادنا حضوريا قبل الجائحة وهو مكسب للخطاب والفاعل الديني في زمن الجائحة ينضاف لمكاسب أخرى حققها الخطاب الديني زمن الجائحة، وقديما قيل: مصائب قوم عند قوم فوائد ، فجددت هذه المجالس وغيرها روح الاجتهاد في تطوير التبليغ، والرقي بآلياته، فلقي تفاعلا كبيرا من لدن المتابعين مما توفر لهم من “إمكانات إعلام الجيب” في الزمن الرقمي.
خامسا : الأداء الديني الرقمي: التنوع والدلالة
إن مجال هذا الصنف يتمحور حول التدخلات العلمية كدروس التكوين المستمر لفائدة القيمين الدينيين قصد تفقيههم في “دليل الإمام والخطيب والواعظ” ؛ باعتبار الكتاب المذكور مرجعا مهما في تأصيل مقتضيات “الدليل المهني للمتدخل الديني” عن قرب، لاسيما في المادة العلمية المقررة لهم والممثلة في متني : ابن عاشر والآجرومية حيث يتم تدارس المرشد المعين على الضروري من علوم الدين في الأول، والتحفة السَّنية على متن الأجرومية في الثاني.
وقد لوحظ أن مختلف المجالس العلمية وسَّعت دائرة المتعارف عليه في المتون العلمية إلى فنون أخرى، وفتحت نوافذ علمية لموضوعات تغني الرصيد العلمي والمعرفي لرواد مواقعها الإلكترونية فانتظمت حلقات لشرح مصنفات تخص:
فقها الطهارة والعبادات وفق المذهب المالكي، وفقه السيرة النبوية ممزوجة بدروس السيرة النبوية للأطفال، وكذا دورات تكوينية ولقاءات تأطيرية لفائدة القيمين الدينين، دون إغفال حلقات تحفيظ القرءان الكريم، وتعليم قواعد التجويد.
وتنوعت مجالات التدخلات الدينية للأداء الديني الرقمي بتنوع دلالته كدروس الوعظ والإرشاد ، ومحاضرات أكاديمية متخصصة : وتولد من هذا السياق العلمي تنظيم ندوات وملتقيات علمية موضوعاتية إليكترونية وإحياء الليالي المناسبتية ؛ كليلة القدر وليلة المولد النبوي الشريف فكان المجلس العلمي المحلي لسلا فريدا في تجربة إحياء ليلة القدر المباركة زمن الحجر الصحي بعنوان “ليلة أهل القرآن” لعام 1441ه كما نسجل تجربة المجلس العلمي المحلي للقنيطرة في إحيائه “ليلة المولد النبوي” لعام 1442ه.
سادسا: أهداف خطاب المؤسسة العلمية
مما لا شك فيه أن للساق دورا كبيرا في توجيه الخطاب وفي القاعدة الأصولية : المناسبة شرط؛ والمناسبة قدرنزل بالعالَم فعمَّه من أقصاه إلى أقصاه واختلف الحديث عنه من مؤسسة إلى أخرى ؛ حسب اختصاص تلكم المؤسسة .
والمجلس العلمي الأعلى ببلادنا بوصفه مؤسسة دستورية ووطنية ؛ واكب هذه المناسبة بما يلزم من التعامل معها ؛ تعاملا دينيا وعلميا وأخلاقيا وطنيا واجتماعيا من خلال ما يصدره من خطاب ديني يهدف إلى :
تبصير المغاربة بأمور دينهم والأخذ بأيديهم للخروج من الأزمة والشدة وتوضيح كثير مما أشكل عليه لحظة نزول القدر.
حراسة الوجود الروحي والمعنوي للأمة المغربية من خلال الدفاع عن ثوابتها الدينية والوطنية وهي الأمر الجامع لها والمجمع عليه من لدن علمائها ومفكريها .
صياغة ذهنية المجتمع المغربي للتفكير في الموضوع بشكل موحد تضامنا واستجابة لروح المبادرة التي يقودها أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله والنداء الذي وجهه حفظه الله لتجديد اليقظة ضد الوباء في خطاب 20 غشت2020.
هي إذن ؛ مرحلة أخرى حاسمة من مراحل تفاعل واتساق الخطاب الديني ببلادنا في سياق الاستجابة لمضامين الخطاب الملكي وتفعيلا لتلبية انتظارات المواطنين وكذا حثهم على التفاعل مع اللحظة فتجندت المجالس العلمية المحلية من جديد بناء على مرجعية مركزية في السير بالخطاب الديني نحو ترسيخ بناء الوعي الجماعي وإنماء الحس بالمسؤولية المدنية تجاه الوطن ومؤسساته كما عهدها المواطنون في موكبتها لفترة إعادة فتح المساجد وقبلها – وقد نشرنا في الباب سلفا ما يغني عن كثير من السرديات .
التوجيه والإرشاد الديني والتبليغ الآمن ؛ وهو ما يجعل المغاربة يثقون في مؤسساتهم الدينية والعلمية مرتبطين أيما ارتباط بمشيخة علماء الأمة في الإفتاء ومن في حكمهم في الإمامة والخطبة والوعظ والإرشاد.
بناء الوعي الجماعي والإسهام في التعريف بالقضايا التي تهم المجتمع وتوجيهها الوجهة الدينية اللائقة بها مع تحسين ” الأداء الديني ” مما يعقبه تأثير بليغ وذلك عن طريق الأجوبة الفقهية أو الآراء العلمية أو الفتاوى الشرعية أو البيانات التوضيحية أو البلاغات التي يصدرها المجلس العلمي الأعلى ردا على أسئلة مؤسسات الدولة ؛واستدعي للتدليل على الموضوع: نماذج من تلكم الاعمال العلمية التي تدخل ضمن مستوى “الخطاب الديني العالي” كفتوى الإغلاق المؤقت للمساجد التي طلبتها مؤسسة إمارة المؤمنين أو قطاعاتها الحكومية وفتوى في شأن عدم تغسيل موتى كوفيد-19 ، وبلاغ حول المس بحرمات الرسل الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام.
سابعا: خصائص الخطاب الديني في زمن كورونا
كون الخطاب الديني ببلادنا ملتزما بقضايا الأمة وهمومها الدينية والاجتماعية وانشغالاتها العاطفية والوجدانية يجعله خطابا يسعى لتلبية الحاجات الدينية للمغاربة وهو ما يجعل منه خطابا يختص بخصائص منها على سبيل التمثل لا الحصر:
حفظ الخصوصية الدينية المغربية المتمثلة فيما جرى به العمل بمساجد المغرب من خلال العلم الديني بها والعمل على تمثلها عقيدة وعبادة وسلوكا ووفاء.
استثمار المحصلات المعرفية لدى المواطنين من خلال ما تلقوه في “فقه الثوابت الدينية ” على امتداد ما بث فيهم منذ الشرو ع في إصلاح الحقل الديني ببلادنا الذي يعتبر امتدادا لتدين المغاربة وفق الخصوصيات المغربية في الأداء الذي تم الرقي به إلى مستوى التشريع وإرساء المؤسسات المؤتمنة على حمايته وتكوين وتأهيل مؤديه.
التدرج ؛ حيث يصدر بحسب الحاجة المجتمعية والمناسبة الدينية والوطنية ؛ بل وحتى الكونية.
خطاب يعتبر أمر كورونا من الابتلاءات التي يبتلى بها العباد في أي البلاد.
خطاب يهدئ من روع المواطنات والمواطنين وذلك بربطهم القوي بعقيدتهم الإيمانية.
خطاب يأمر بالإيمان بالقدر والأخذ بالأسباب.
خطاب ملتزم بقضايا الدين والوطن وليس زمن كورونا فحسب.
خطاب يندرج ضمن اعتبار التبليغ ؛ من أمانات الدين وعلى عاتق العلماء.
خطاب تربوي سلوكي ، يعم نفعه جميع فئات الشعب حتى التلاميذ والأطفال، ويأتي إسهام المجالس العلمية المحلية في مشروع الدخول المدرسي لموسم 2020 – 2021 الذي رفع شعار من : أجل دخول مدرسي آمن ، ولذات الهدف قامت هذه المجالس بالحملات التحسيسية – بالمدارس والثانويات والمعاهد – ضد كوفيد – 19 والتوعية بمخاطره إسهاما من المؤسسة العلمية في تنفيذ “البروتوكول الصحي للدخول المدرسي” وفي هذا الإطار تعبأ المرشدون الدينيون للعملية التواصلية مع التلاميذ بالمؤسسات التعليمية وكذا أعضاء المجالس العلمية المحلية تحت إشراف المؤسسة العلمية المحلية.
خطاب مواكب للمناسبات الدينية كرمضان الكريم وعزوة بدر الكبرى وليلة القدر وزكاة الفطر وعيدي الفطر والأضحى وذكرى المولد النبوي الشريف.
الوطنية ثورة الملك والشعب وعيد الشباب والمسيرة الخضراء وذكرى تقدم وثيقة المطالبة بالاستقلال.
ختاما: الموضوع أكبر أن يلم به باحث متخصص في مجلدات بأجزاء فما بالك الإطلالة عليه في جذاذات في جزئين ومن الله والوطن موفور الثواب وحسن الجزاء لمن بلغ بأسلوب بليغ ولمن شهد له بالأداء والتليغ.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13125
Sahilمنذ 4 سنوات
مقال قد وضع النقاط على الحروف، شكرا جزيلا.