التقارب المغربي الإيراني: فرصة لتعزيز الحوار المذهبي والشراكة الإقليمية

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس23 نوفمبر 2024آخر تحديث : السبت 23 نوفمبر 2024 - 7:05 مساءً
التقارب المغربي الإيراني: فرصة لتعزيز الحوار المذهبي والشراكة الإقليمية

خديجة منصور
شهدت العلاقات المغربية الإيرانية على مر العقود منعطفات حادة، تأرجحت بين فترات ود وتعاون، وأخرى اتسمت بالتوتر والقطيعة.

في حقبة ما قبل الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، تميزت العلاقة بين البلدين بتنسيق دبلوماسي وأمني وثيق، حيث جمع الملك الحسن الثاني وشاه إيران محمد رضا بهلوي مسار من التعاون رغم التباينات، غير أن هذه الحقبة لم تخل من خلافات بارزة، مثل دعوة المغرب لحل قضية الجزر الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) ورفض الشاه تخصيص جزء من صفقة طائرات “الفانتوم” الأمريكية للمغرب.

مع انتصار الثورة وسقوط نظام الشاه دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة توتر عميق. وجاء لجوء الشاه إلى المغرب ليفاقم الخلاف، خصوصا مع تبني النظام الإيراني الجديد مواقف داعمة لجبهة البوليساريو، وهو ما اعتبرته الرباط مساسا بوحدتها الترابية. كما أثارت التحركات الإيرانية ذات الطابع الديني مخاوف مغربية من محاولات تصدير نموذجها المذهبي، ما وضع العلاقة الثنائية أمام عقبات أمنية وروحية.

في تسعينيات القرن الماضي شهدت العلاقات بداية انفراج نسبي مع استئناف التمثيل الدبلوماسي. هذا الانفتاح ترجم عبر زيارات متبادلة واتفاقيات شملت مجالات عدة، منها الثقافة والتعليم، ورغم ذلك ظل التوجس قائما، خاصة مع اتهامات بوجود تحركات إيرانية تهدف إلى التأثير على النسيج الديني المغربي. ومع أن المغرب يتبع المذهب المالكي السني وإيران تتبنى المذهب الشيعي الإثني عشري، إلا أن الرباط تتمتع بمنظومة دينية مستقلة ترتكز على مؤسسة إمارة المؤمنين، ما يعزز قدرتها على حماية هويتها الروحية مع الحفاظ على حوار ديني مع دول ذات توجهات مذهبية مختلفة.

تبدو المرحلة الراهنة مناسبة لإعادة بناء العلاقات المغربية الإيرانية على أسس جديدة، وسط تحولات جيوسياسية واقتصادية عالمية غير مسبوقة، تلعب سلطنة عمان دور الوسيط في محادثات تهدف إلى تجاوز التوترات بين الرباط وطهران، وتشير تقارير إعلامية إلى أن المغرب يشترط سحب إيران دعمها الكامل لجبهة البوليساريو واحترام استقراره الاستراتيجي، والاشادة بالحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء المغربية ولا يمكن أن نغفل موقع المغرب الاستراتيجي في منطقة الساحل وكبوابة نحوى افريقيا وأوربا.

وفي هذا السياق صرح الدبلوماسي الإيراني السابق سيد هادي أفقهي أن استئناف العلاقات بين البلدين ممكن، مع ضمان عدم المساس بالثوابت الوطنية لكل طرف.

قد يتجاوز التقارب المحتمل بين المغرب وإيران البعد الثنائي ليشمل أبعادا إقليمية ودولية أوسع. فالمغرب، بحكم موقعه الجيوستراتيجي كجسر بين إفريقيا وأوروبا وشراكاته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ودول الخليج، يمكن أن يلعب دورا محوريا كذلك في تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن، كما أن خبرته في الوساطات الدولية تعزز مكانته كفاعل مؤثر في تهدئة التوترات الإقليمية.

وفي حال تحقق هذا التقارب، قد يشكل نموذجا للتعاون بين دول ذات توجهات دينية ومذهبية مختلفة، فهو يفتح المجال لحوار حضاري بين المذاهب الإسلامية، ويسهم في تعزيز مواجهة مشتركة للتطرف وتقوية السلم الإقليمي، كما أن التعاون الاقتصادي بين بلدين يتمتعان بإمكانات كبيرة يمكن أن يساهم في تحقيق مكاسب مشتركة، خصوصا في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة.

إعادة العلاقات بين المغرب وإيران ليست مجرد خطوة دبلوماسية، بل تعبير عن فهم جديد للتوازنات الدولية ورغبة في صياغة شراكات أكثر عدلا ومرونة. في عالم تتسارع فيه التحولات، قد يصبح هذا التقارب أرضية لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي، ولبناء جسور تفاهم تتجاوز إرث الماضي نحو مستقبل أكثر إشراقا.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.