الترسيخ الأممي لسيادة المغرب على صحرائه.. تهافت تهديد ‘البوليساريو” وزيف التضليل الجزائري
محمد زاوي
ما إن اعتمد مجلس الأمن الدولي قراره التاريخي بدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره الأساس الأكثر واقعية وملاءمة لميثاق الأمم المتحدة، داعيا كافة الأطراف المعنية إلى التفاوض على أساسه؛ ما اعتُمِد هذا القرار حتى تكشفت الهزائم تشكيكا بكيفيات شتى، عند خصوم الدولة وأعداء الوحدة الترابية. وقد اتخذ التشكيك عند الصنف الأول منحى التقييد والاشتراط والكفّ عن مشاركة الشعب المغربي انتصاره المستحق بطريقة غريبة ومريبة، فيما اتخذ عن الصنف الثاني منحى التهديد بسياسة “أمر الواقع” لدى البوليساريو والتضليل الدبلوماسي والسياسي للنظام الجزائري.
لن نقف في هذا المقال عند تشكيك الصف الأول، فلعلنا نخصه بمقال لاحق؛ وغايتنا في مقالنا هذا أن تكشف ارتباك تهديد “البوليساريو” وزيف الادعاءات الجزائرية. فلنحلل أولا الفرق بين الخطابين: خطاب البوليساريو ممثلا بزعيمها المزعوم إبراهيم غالي، وخطاب الجزائر ممثلا بوزير خارجيتها أحمد عطاف. الأول أزبد وأرغد داعيا إلى الصمود ومدّعيا احتكار “شعبه” المزعوم للحل والإرادة، أما الثاني فقد اكتفى بالدفاع عن نجاعته الدبلوماسية تحت قناع “تمديد أجل بعثة المينورسو، واعتماد الحكم الذاتي من بين عدة حلول أخرى، وعدم الإقرار الصريح بسيادة المغرب على صحرائه”.
وليست هذه هي الأجوبة المنتظرة من وزير الخارجية الجزائري، وإنما هو مطالب بتنوير الرأي العام الجزائري بأجوبة واضحة على الأسئلة التالية:
-كيف استطاع المغرب أن يقنع أعضاء مجلس الأمن الدولي بإدراج مبادرة الحكم الذاتي كأساس واقعي وملائم لحل مشكل الصحراء المغربية المفتعل؟
-وما الذي جعل روسيا والصين، كحليفين تقليدي بن للجزائر، يمتنعان عن استعمال حق الفيتو في مواجهة قرار إيجابي بالنسبة للمغرب، ولم تكن الجزائر لتقبل بعشر معشار ما ورد فيه في سباقات سابقة؟
-كيف انتقلت الجزائر من “رفض الحكم الذاتي على لسان صنيعتها البوليساريو” إلى “مناقشة شروط الحكم الذاتي ومدى جديته”؟ أليس هذا تنازلا لم قبلها ولم تبرره بعد لشعبها؟
-لماذا تكتفي الجزائر برد الفعل في ملف هو اليوم بين ديناميتين: دينامية دبلوماسية مغربية، ودينامية جيوسياسية واقتصادية يقودها ترامب بضوء أخضر صيني روسي؟
-كيف تخفي الجزائر رأسها في رمال صحرائها الشاسعة وهي ترى العالم يقلب طاولة معادلاتها الفاشلة والخاسرة، والتي أبت إلا أن تمارس “رد الفعل” بدل ممارسة فعل ظل الملك محمد السادس يناديها إليه منذ لا أقل من أربع سنوات؟
-ألا تسعى الجزائر بمكابرتها الإيديولوجية والسياسية التي تنتمي إلى “عالم آخر”، ألا تسعى باستمرارها في عنادها الدبلوماسي والسياسي إلى تكريس أزمتها وانحسار مبادرتها؟
هذه هي الأسئلة التي كان على عطاف الإجابة عليها، لكنه فضل ممارسة “تأويلات بعيدة” في نصوص واضحة وصريحة لا تؤول إلا لمصلحة المغرب، ناهيك عن إطارها الدولي وسياقه التاريخي اللذين يصبان في نفس المنحى، حيث يمارس المغرب سيادته على كامل ترابه الجنوبي بمقتضى القانون الدولي، تكريسا لسيادته عليه بمقتضى الحق التاريخي.
وعندما تحدث إبراهيم غالي داعيا “شعبه” المزعوم إلى الصمود، فقد ظن أنه يمتلك زمام القضية؛ والحقيقة التي لا غبار عليها أن الاستهداف استعماري إمبريالي منذ بدايته، وقد وُظفت فيه أطراف إقليمية كانت “البوليساريو” إحداها، والتي ما هي في حقيقتها إلا ورقة من أوراق النظام الجزائري. فإذا قرر هذا النظام الانخراط -وليس له إلا ذلك- في الاستراتيجية العالمية الجديدة، فلن يكون أمام “البوليساريو” غير ثلاثة اختيارات:
1-التزام القرار الجزائري وخوض مفاوضات جادة مع المغرب تحت رقابة دولية وأمريكية تفرض رهاناتها على الجزائر، قبل أن تفرضها على “البوليساريو”.. وفي هذه الحالة من الممكن أن تستبطن “البوليساريو” مصلحة الجزائر وجهة نظرها في تدبير الحكم الذاتي، أو تأخير المفاوضات ريثما تتغير الشروط الدولية لصالحها؛ وذلك بعدما فشلت في عرقلة المشروع المغربي في الفترة الدولية الحالية. وهذه إشكالية أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار لدى الجانب المغربي، إذ أن معركة أخرى ستنطلق على طاولة التفاوض، وستلعب فيها الجزائر ورقتين: موقف مباشر هو موقفها الرسمي، وموقف غير مباشر هو موقف “البوليساريو”.
2-عصيان القرار الجزائري، وهذا مستبعد لأن هذا العصيان قد يستحيل حربا ميدانية بين عناصر “البوليساريو” وبين النظام الجزائري، وقد يحول تندوف إلى قاعدة عسكرية لـ”البوليساريو” تهدد الجزائر من الداخل.. ولأن القدرات العسكرية لانفصاليي “البوليساريو” محدودة بحدود الدعم الجزائري، فإن عصيانها للقرار الجزائري مستبعد، إن لم يكن مستحيلا.
3-الانفتاح بإيجابية على الموقف المغربي، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن للصحراويين من خلالها امتلاك زمام قرارهم وموقفهم، وفصلهما عن الرهانات الجزائرية المعروفة، تاركين تدبير مصالح النظام الجزائري لنجاعته السياسية والدبلوماسية والاقتصادية في علاقته مع المغرب والدول العظمى.. وهذا اختيار يجب أن تُدفَع إليع البوليساريو بضغط من ثلاث فئات: من المنشقين عنها من القيادات والتنظيمات داخل المخيمات وخارجها (كخط الشهيد، أو القيادات التي اختارت المنفى في موريتانيا)، ومن القيادات السابقة فيها والعائدة إلى أرض الوطن، ومن ساكنة الأقاليم الجنوبية وهي وحدوية وتمهّد للحكم الذاتي على الأرض.. وفي سبيل ذلك يُستحْسَن فتح قنوات الحوار بين ساكنة الأقاليم الجنوبية وإخوانهم في تندوف أو خارجها للضغط على قيادات “البوليساريو”، أو تجاوز أفقها وتخطيطها إذا اقتضى الحال.
هناك واقع عالمي جديد، ويبدو أن “البوليساريو” والجزائر تمهدان للتأقلم معه، وأول التمهيد تهدئة الصف الداخلي وإعداده للمرحلة المقبلة حيث تصبحان في حاجة إلى السند الجماهيري، في الجزائر وداخل المخيمات.. أما إذا كان الطرفان معا يمارسان التضليل والزيف بمنطق “تأزيم الأزمة”، فإن نهاية طموحهما ستكون أسوأ مما ينتظران، وسيقبلان بـ”الحكم الذاتي” صاغرين في عالم لا يقبل بالانتظار، وكل انتظار في نظر قواه الكبرى خسارة في أسهمها الاقتصادية.. أمام الجزائر و”البوليساريو” فرصة للاستجابة للدعوة التي أطلقها المغرب، ودون ذلك تضييق الخناق السياسي والدبلوماسي عليهما أكثر مما هو عليه اليوم!