دينبريس
الجائحة التي دلفت عامها الثالث كبلت حركة الناس وأضفت أجواء صعبة وثقيلة على النفس خلال عاميها الأولين، خاصة خلال الشهر الفضيل، بيد أنه علينا شكر الله، ونحن نستقبل شهر البركة والخير وصلاة التراويح، وقد زالت غمة الوباء .
فالتراويح تعني جمع ترويحة، أي استراحة وترويحة للنفس، وهي تشير إلى الجلسة التي تلي كل أربع ركعات في ليالي رمضان، سميت بالترويحة أي للاستراحة، ثم سميت كل أربع ركعات ترويحة مجازا، كما سميت هذه الصلاة بالتراويح، لأنهم كانوا يطيلون القيام فيها ويجلسون بعد كل أربع ركعات.
وصلاة التراويح سنة مؤكدة باتفاق المذاهب، كما ورد في الحض عليها كثير من الأحاديث الشريفة، اذ قال صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه».
و كان صلى الله عليه وسلم يواظب على قيام ليالي رمضان وإحيائها بالذكر والعبادة، وبدأ صلى الله عليه وسلم بقيام ليالي رمضان جماعة مع المسلمين في صلاة التراويح ثم ترك الصلاة بهم جماعة رحمة بهم وخشية أن تفرض عليهم.
وعن عروة رضي الله تعالى عنه، أن عائشة رضي الله عنها، أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، فتشهد، ثم قال: «أما بعد، فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها»، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك”.
في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم ، كانت صلاة التراويح
تقام بعشرين ركعة، وعن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: “إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، لكان أمثل” ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: “نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون” يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله” صحيح البخاري.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها من الأيام، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» صحيح مسلم، وعنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» صحيح البخاري.
وأنه يستحب أداء صلاة التراويح جماعة في المساجد، واصطحاب النساء، والأطفال، ومما يدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي قتادة، عن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال: ( إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه)، ففي هذا دليل على جواز إحضار الصبيان المسجد وحضور الجماعة.
و إنه من الحكمة في هذه الأيام – وبعد غياب عن هذه الأجواء الإيمانية بما ابتلى الله به عباده من جائحة كورونا، وما تبعها من حبس عن بيوت الله، ومنع للجمع والجماعات – أن نحرص على استمرار أداء التراويح في مساجدنا جماعة، حامدين الله تعالى على تخفيف سطوة هذا البلاء ورفع التباعد بين المصلين، لكن مع الالتزام بوسائل السلامة العامة ، والتزام المريض بيته، فلا يحل لمؤمن أن يلحق الأذى بإخوانه، وليسعه قوله تعالى (ولا على المريض حرج).
إلى أن من الواجب الحرص على اصطحاب الأبناء، ممن يعقل حرمة بيوت الله تعالى، ليشهدوا الخير، ودعوة المؤمنين، والحفاظ على أوقاتهم، وتوجيههم لاستثمار كل لحظة في الطاعة، موضحا ان العاقل من يجعل لبيته حظا من صلاته؛ تارة يصلي منفردا وأخرى يصلى بأهله، وليدع ربه أن يتقبل منه (إنما يتقبل الله من المتقين).
المصدر : https://dinpresse.net/?p=17142