الإسلام دين الإنسانية

ذ محمد جناي
آراء ومواقف
ذ محمد جناي18 أبريل 2021آخر تحديث : الأحد 18 أبريل 2021 - 10:48 صباحًا
الإسلام دين الإنسانية

ذ . محمد جناي
لم يحدثنا التاريخ بأن نبيا أو رسولا قد بعث من عند الله إلى الناس بعد بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا مما يشهد واقعيا بصدق قوله تعالى ” مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ اَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اَ۬للَّهِ وَخَاتِمَ اَ۬لنَّبِيٓـِٕۧنَۖ وَكَانَ اَ۬للَّهُ بِكُلِّ شَےْءٍ عَلِيماٗۖ (سورة الأحزاب ، آية 40)، فالإسلام الذي جاء به خاتم النبيين -عليه الصلاة والسلام – خاتمة الرسالات السماوية إلى البشرية، وإن كون الإسلام رسالة خاتمة وممثلة لتمام نعمة الله على عباده ، يقتضي عموميتها وعالميتها ، كما يقتضي في الوقت نفسه إنسانية هذه الرسالة وشمولها وخلودها إلى قيام الساعة ، ولقد كانت عالمية رسالة الإسلام قضية مسلمة بها عندالمسلمين جميعا ، ولم يتطرق إليها أدنى شك أو تشكيك إلا في وقت متأخر نسبيا وذلك نتيجة قصور بعض أبناء هذه الأمة في فهمهم للإسلام وضعف انتسابهم له، بسبب انبهارهم بتقدم الحضارة المادية فجعلوها معيارا للحكم على الأمور ، هذا إلى جانب مؤامرات خارجية تهدف إلى تشويه صورة الإسلام والقضاء عليه فكان يوجد من يقول بعدم عالميته ، مثل القول بأن الإسلام دين القومية العربية.

قد اهتم القرآن الكريم نفسه – وهو كلام الله الموحى به إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم – بتقرير عالمية الإسلام في أكثر من آية، على سبيل المثال لا الحصر : قوله تعالى: “وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةٗ لِّلْعَٰلَمِينَۖ (سورة الأنبياء ، آية 106) ، وقوله تعالى ” وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيراٗ وَنَذِيراٗ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَۖ (سورة السبأ ، آية28)، وقوله: “تَبَٰرَكَ اَ۬لذِے نَزَّلَ اَ۬لْفُرْقَانَ عَلَيٰ عَبْدِهِۦ لِيَكُونَ لِلْعَٰلَمِينَ نَذِيراًۖ (سورة الفرقان ، آية1) ، وقوله :”هُوَ اَ۬لذِےٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِالْهُد۪يٰ وَدِينِ اِ۬لْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَي اَ۬لدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ اَ۬لْمُشْرِكُونَۖ (سورة التوبة ، آية33).

أما السنة: فقد ورد من أحاديثه صلى الله عليه وسلم: “أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغَنَائِمُ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ”، رواه البخاري، ومسلم

أما مقتضيات عالمية الرسالة ومؤيداتها فمتوافرة في الشريعة الإسلامية ، فمن أول وهلة تتبين لنا هذه الخاصية “العالمية” ، ذلك أن تسمية هذا الدين ب “الإسلام” ترفعه من مستويات محلية أو قومية إلى مستوى عالمي ، فهو دين التسليم لإرادة الله والخضوع لها، الأمر الذي طلبه الله من عباده جميعا، في أي مكان من الأرض كانوا ، وفي كل وقت وحين ، كما أن هذا الدين لا ينتسب إلى شخصية بعينها أو قبيلة معينة على خلاف نسبة الأديان الأخرى ، إنما ينتسب الإسلام إلى من شرعه وأنزله هداية للناس وهو الله رب العالمين “إِنَّ اَ۬لدِّينَ عِندَ اَ۬للَّهِ اِ۬لِاسْلَٰمُۖ (سورة آل عمران ، آية19)، ومن كون الإسلام خاتم الرسالات الإلهية ودينا عالميا للبشرية جمعاء وجب أن يكون في طبيعة هذه الرسالة مايجعلها حقا صالحا للإنسانية في كل عصر وجيل ، وأن يكون في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسجاياه وخلائقه ما يجعله الرسول المصطفى لعباد الله جميعا.

أما من ناحية شخصية صاحب الرسالة -عليه الصلاة والسلام- فقد تم إعدادها إعدادا ربانيا فريدا يتناسب مع كمال الرسالة وعظمتها فشاء الله أن يجمع في شخصية الرسول الخاتم كل خلائق وسجايا الرسل السابقين وبالخصوص أولو العزم منهم ، فكان صلى الله عليه وسلم مثل نوح في الشدة على الكفار والمشركين، ومثل إبراهيم -عليه السلام- في تصديه لكل مظاهر الكفر والشرك وتحطيم الأصنام، ومثل موسى -عليه السلام- في إتيانه بالآيات والبراهين الدامغة وهو يتهمه قومه بأنه مسحور أو ساحر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عيسى -عليه السلام- في حرصه الشديد على الأمة ورحمته بهم وعفوه عنهم.

وبالنظر إلى مضمون الأديان الموجودة يمكن التمييز بين ماهو محلي وماهو عالمي، فإذا كان الخطاب دين ما موجها إلى قوم معينين أو أمة دون سائر الأمم ، ومبادئه واتجاهاته التشريعية تحمل المظاهر المحلية وتعامل الناس على أساس الفروق البيئية ولم تقدم طروحا ذات بعد عالمي لمعالجة مشاكل المجتمع البشري قاطبة فهو دين محلي، وهذا هو شأن الأديان الموجودة غير الإسلام ، حيث إنها إلى جانب تسميتها التي تجعل مظهرا محليا فإننا لم نجد دينا غير الإسلام يعرض بضاعة تصلح لصياغة نظم تعالج جميع مناحي الحياة ، أما الإسلام فلم يترك مجالا من مجالات الحياة المتشابكة دون أن يتعامل معه بما يكفيه ، وقرر القرآن هذه الحقيقة بالإيجاز :” مَّا فَرَّطْنَا فِے اِ۬لْكِتَٰبِ مِن شَےْءٖۖ (سورة الأنعام، آية ، 39) ، وقال تعالى :” وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ اَ۬لْكِتَٰبَ تِبْيَٰناٗ لِّكُلِّ شَےْءٖ وَهُديٗ وَرَحْمَةٗ وَبُشْر۪يٰ لِلْمُسْلِمِينَۖ (سورة النحل ، آية 89) .

وكل من نظر في الإسلام نظرة فيها شيء من الإنصاف لتبين له بسهولة عالمية هذه الرسالة ، فهذا أحد المستشرقين توصل إلى الحق في هذه النقطة حيث وضع عنوانا “الإسلام دين عالمي” في كتابه القيم “الدعوة إلى الإسلام” ونقل كلام ساتو (SACAU) :” ولكن الرسالة الإلهية -أي الإسلام- ليست مقصورة على العرب ، بل إن إرادة الله تشمل جميع المخلوقات ، ومعنى ذلك خضوع الإنسانية كلها خضوعا مطلقا، ولقد كان لمحمد بوصفه رسولا من الله حق المطالبة بهذه الطاعة ، وكان عليه أن يطالب بها، وهذا ماظهر من أول الأمر ، جزءا لا ينفصل من جملة ما أراد تحقيقه من مبادئ “.

ومما يترتب على عالمية رسالة الإسلام وقوع مسئولية الدعوة إلى هذا الدين الحنيف على عاتق كل مسلم في كل مكان ، وبهذا يتم إنقاذ البشرية من الفتن والضلال والهلاك ، فإنه طريق وحيد للخلاص لا طريق آخر معه أو إلى جانبه، قال تعالى :” وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِے مُسْتَقِيماٗ فَاتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ اُ۬لسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦۖ ذَٰلِكُمْ وَصّ۪يٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَۖ (سورة الأنعام ، آية 154) ، فيجب أن يكون في قرارة المسلم أنه لايعيش لذاته وإنما يعيش للإنسانية جميعا، وعندئذ تحس الجماعة أنها لا تحيا لهذا الجيل ، وإنما تحيا للبشرية قاطبة ، وعندئذ يحس المسلمون أنهم أوصياء في الأرض خلفاء لله ، وأن ذواتهم ليست ملكهم ، وجهودهم ليست لهم، وحياتهم وسيلة لا غاية.
ـــــــــــــ
هوامش:
(1): التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم داخل دولة واحدة ، وهي رسالة علمية في السياسة الشرعية من قسم السياسة الشرعية بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة ، للباحث سورحمن هدايات ،من إصدارات منتدى العلماء ، الطبعة الثانية 2018.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.