اكتمال “معجم الدوحة التاريخي ” يعيد للعربية ذاكرتها اللغوية

22 ديسمبر 2025

تحرير : وداد وهبي

بعد أكثر من ثلاثة عشر عامًا من البحث المنهجي، والتجريب العلمي، والتوثيق الدقيق، أعلنت دولة قطر، اليوم الاثنين، اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، في خطوة تُعد من أبرز المنجزات اللغوية العربية في العصر الحديث، ومشروعًا معرفيًا غير مسبوق يوثّق تاريخ الألفاظ العربية وتحولات دلالاتها عبر قرون طويلة من الاستعمال.

وجاء الإعلان خلال حفل رسمي حضره أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث جرى الكشف عن اكتمال النسخة النهائية للمعجم مع انتهاء مرحلته الثالثة، بالتزامن مع تدشين بوابته الإلكترونية الجديدة في اليوم العالمي للغة العربية، إيذانًا بانتقال المشروع من طور الإنجاز إلى فضاء المعرفة المفتوحة للاستخدام العلمي والبحثي.

وبات المعجم، بعد اكتماله، يضم ثروة لغوية ضخمة تشمل أكثر من 300 ألف مدخل معجمي، ونحو 10 آلاف جذر لغوي، إضافة إلى مدونة نصية تتجاوز مليار كلمة، وببليوغرافيا تضم أكثر من 10 آلاف مصدر، ما يجعله من أوسع المعاجم التاريخية العربية من حيث التغطية الزمنية وغزارة المادة العلمية.

ويُعد معجم الدوحة التاريخي، الذي انطلق العمل عليه سنة 2013 بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، من أكبر المشاريع اللغوية على المستويين العربي والعالمي، إذ يقدّم توثيقًا تاريخيًا دقيقًا لمسار الألفاظ العربية وتحولاتها الدلالية عبر ما يقارب عشرين قرنًا، وفق معايير المعاجم التاريخية الحديثة المعتمدة دوليًا.

وخلال الحفل، كرّم أمير دولة قطر عددًا من العلماء والباحثين والخبراء الذين أسهموا في إنجاز هذا العمل اللغوي الضخم، تقديرًا لجهودهم العلمية ودورهم في إخراج المعجم إلى النور بعد سنوات من العمل الجماعي المنظم والبحث المتواصل.

وفي كلمته بالمناسبة، قال المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، الدكتور عز الدين البوشيخي، إن المعجم يرصد الألفاظ العربية في سياقاتها الزمنية والنصية، ويوثّق تاريخ تداولها في النقوش والنصوص، بما يسهم في بناء ذاكرة لغوية عربية مشتركة، ويحفظ للمتكلم العربي هويته اللغوية عبر تتبع تحولات المعاني والدلالات.

وأوضح البوشيخي أن القائمين على المشروع لم يتوقعوا، عند انطلاق العمل، أن يقودهم المسار البحثي إلى إنجاز مدونة نصية رقمية مهيكلة ومؤرخة تضم قرابة مليار كلمة، مشيرًا إلى أن هذه المدونة باتت موردًا معرفيًا فريدًا يمكن توظيفه في تطوير نماذج لغوية عربية متقدمة، بما في ذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وأكد، في حديث للجزيرة نت، أن اكتمال المعجم لا يعني بلوغ الكمال، بل يمثل انفتاحًا على التطوير المستمر، وعلى التفاعل مع الأجيال الجديدة والتقنيات الحديثة، مشددًا على أن المشروع سيظل قابلًا للتحديث والتوسيع بما يواكب تحولات اللغة واستعمالاتها.

من جهتها، اعتبرت وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي في قطر لولوة الخاطر أن معجم الدوحة التاريخي لا ينبغي النظر إليه كمشروع لغوي رائد فحسب، بل بوصفه مشروعًا حضاريًا معرفيًا متكاملًا، يعكس وعيًا عميقًا بدور اللغة في التاريخ والحاضر، ويؤسس لقراءة علمية جديدة لمسار العربية وتطورها.

وأكدت الخاطر أن ما يميّز المشروع هو جديته وعمقه واستمراريته، في وقت يشهد فيه المشهد الثقافي العربي نزعة متزايدة نحو التعامل الموسمي مع الثقافة، محذّرة من اختزال العمل الثقافي في فعاليات عابرة بدل النظر إليه كمسار تراكمي طويل الأمد.

بدوره، قال المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) سالم بن محمد المالك إن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل عنصر فاعل في بناء الحضارات، معتبرًا أن معجم الدوحة التاريخي يمثل نموذجًا رائدًا للبحث العلمي المنهجي والتوثيق الحضاري.

وأضاف أن المشروع وفّر موردًا معرفيًا فريدًا للباحثين والطلاب، يمكن توظيفه في مجالات التعليم والبحث العلمي والتطبيقات التقنية، بما فيها الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن اكتماله يعكس قدرة المنطقة على إنتاج مشاريع حضارية ذات أثر عالمي.

أما المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة، فاعتبر أن المعجم يشكّل إنجازًا استثنائيًا في توثيق تاريخ اللغة العربية، لأنه لم يكتف بجمع الألفاظ، بل وثّق سياقات استخدامها عبر الأزمنة، بما يتيح قراءة النصوص التراثية بعيدًا عن إسقاط المعاني الحديثة عليها.

وأكد بشارة أن المشروع يكشف عن حيوية اللغة العربية وثرائها، ويدحض الادعاءات التي تشكك في قدرتها على التطور، مبيّنًا أن كثيرًا من المفردات الدارجة فصيحة في أصلها، وأن الفجوة بين الفصحى واللهجات أقل مما يُشاع.

وختم بالقول إن اكتمال معجم الدوحة التاريخي بعد 13 عامًا من العمل المتواصل لا يمثل نهاية الطريق، بل بداية أفق جديد للبحث والمعرفة، يضع اللغة العربية في مصاف اللغات العالمية الحيّة.

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

“الإسلام الإخواني”: النهاية الكبرى

يفتح القرار التنفيذي الذي أصدره أخيرا الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، والقاضي ببدء مسار تصنيف فروع من جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية، نافذة واسعة على مرحلة تاريخية جديدة يتجاوز أثرها حدود الجغرافيا الأميركية نحو الخريطة الفكرية والسياسية للعالم الإسلامي بأكمله. وحين تصبح إحدى أقدم الحركات الإسلامية الحديثة موضع مراجعة قانونية وأمنية بهذا المستوى من الجدية، فإن […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...