اتحاد المغرب الكبير واجب ديني وأخلاقي وإنساني
محمد المهدي اقرابش
عضو أكاديمية نيم وعضو منتدى الإسلام بفرنسا.
لقد آن الأوان لبعث الروح في اتحاد مغربي كبير وإخراجه من سباته العميق وتطوير هياكله بدل التنازع أو الاكتفاء على أفضل تقدير بتبادل برقيات التهاني.
إن الانكماش السياسي و التوتر الدبلوماسي في العلاقات البينية على مستوى المغرب الكبير يضر بجميع شعوب المنطقة.
فالأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة في تونس، وليبيا المنقسمة والمتناحرة، وموريتانيا المنكفئة والهشة، والاستنزاف الذي يلحق بالاقتصادين الجزائري والمغربي هي نتائج طبيعية للتفرقة وعدم توحيد الكفاءات والإمكانات لبناء مستقبل زاهر ومشرق على مستوى منطقتنا المغاربية.
لا شك في أن المغرب والجزائر هما قوة الدفع الكبرى لتجاوز هذه الأزمات والتغلب عليها كما كان الشأن في الماضي بالنسبة لفرنسا وألمانيا.
والواقعية السياسية والبراغماتية هي التي ينبغي ان تسود في الوضع الراهن خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن 2797 الصادر بتاريخ 31 أكتوبر 2025، بخصوص الحكم الذاتي في الصحراء المغربية .
إن الحوار والتفاهم هما الكفيلان بتحقيق مصلحة الشعوب في عالم مضطرب و غير آمن.
فلا جدوى من التمسك ببراديغمات وإيديولوجيات متجاوزة تنتمي إلى حيز زماني مستهلك.
تشير تقارير معتمدة إلى أن كل دولة في المغرب الكبير تفقد أكثر من عشرة مليارات دولار كفرص للاستثمار!
والسبب في ذلك هو تردد الشركات الكبرى في الاستثمار في الأماكن المتوترة سياسيا واجتماعيا. لأن الرأسمال كما هو معلوم جبان، يفر من أماكن التوتر وعدم الاستقرار.
أما على المستوى الديني والأخلاقي فإني أقول: إن صلة الرحم بين شعوب المغرب الكبير هو التزام ديني واخلاقي وإنساني.
و ليس لنا إلا أن نُذَكِّرَ بقول الله تعالى:
” فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم”الآية 22 سورة محمد.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها” البخاري.
لا أزال أذكر يوما من أيام عام 1989 ميلادي، عندما كنت تلميذا في الفصل الرابع، أي في مستوى المتوسط الأول او على لغتنا عندما كنا صغارا “بيت الرابع” مع ماتحمله كلمة بيت من معان للدفء والأمان والأسرة، اصطحبنا في ذلك اليوم مدير ومعلمو مدرستنا “المسيرة 1” في حافلات، متوجهين إلى مقر البرلمان وسط الرباط المحروسة لنهتف ونحيي قادة المغرب العربي.
فرحنا ذلك اليوم لأن الدراسة كانت متوقفة وكانت فرصة لنا للعب وأكل الساندويتشات والحلويات.
لقد كان يوما مشهودا، رأيت فيه بعيني الصغيرتين على شرفة البرلمان، الملك الحسن الثاني رحمه الله والرؤساء الشاذلي بن جديد والقذافي وبن علي رحمهم الله وولد الطايع.
وكان والدي رحمه الله يتابع باهتمام بالغ المؤتمر الصحفي المنعقد بخصوص هذا الاتحاد المبارك . ولكن للأسف أغلقت الحدود بعد هذا الحدث العظيم ببضع سنوات.
لا بديل عن اتحاد مغربي كبير لأن مايجمعنا أكثر بكثير جدا مما يفرقنا.
إنها حتمية وضرورة تاريخية وجغرافية وديموغرافية وثقافية.
ولا أدل على ذلك من الزيجات وعلاقات المصاهرة بين مغاربة وجزائريين و كذلك التواصل العلمي والديني وما يتخلله من محبة ومودة وأخوة صادقة.
فلننظر مثلا إلى العلاقات الأخوية والدينية بين الزوايا والمريدين في المغرب والجزائر كالزاوية العلاوية والزاوية البودشيشية القادرية والزاوية التيجانية وباقي الزوايا الأخرى وامتداداتها على الصعيد العربي والأفريقي.
وتجدر الإشارة إلى المراسلات العلمية و الأخوية بين علماء ومفكري المغرب الكبير. وفي هذا السياق يعجبني أن أذكر رسالة كنتُ قد وقعتُ عليها، وهي رسالة تقدير ومحبة أرسلها الشيخ والمصلح العالِم عبد الحميد بن باديس مدرس قسنطينة إلى الفقيه العلامة سيدي محمد الحجوي الفاسي.
ومضمون هذه الرسالة هو ما يلي:
“العلامة الأستاذ سيدي محمد الحجوي المحترم،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد، فقد تشرفت بهديتكم النفيسة الغالية، الربع الأول من الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي فَنِعْمَ موضوعاً طرقتم وأسلوبا فيه سلكتم وإن كتابكم هذا- إن شاء الله تعالى- هو أساس النهضة الفقهية في جامع القرويين المعمور نهضة تُبْنَى على النظر والاستدلال فيخرج أهل العلم من جمود التقليد إلى سعة الإتباع بالدليل.
وإلى هذا فإنني مدين لجنابكم بسبقكم إلى ربط سبب التعارف بيننا. لا زلتم لكل فضل سباقين. فلكم عَلَيَّ دوام العهد وإخلاص الود من قلب يمقت أشد المقت فئة المنافقين والمتملقين.
والسلام مُعادٌ على فضيلتكم من أخيكم في الله.
توقيع:
عبد الحميد باديس
مدرس قسنطينة (الجزائر).
15 رمضان 1345 هجرية.
ماأجمل هذا الوصل العلمي والقرابة الفكرية! وصدق القائل حين قال : العلم رحم بين أهله.
لِنَقْتَفِ ونقتد إذن بهذين العالمين العَلَمَيْن. ولنوحد أمرنا على كلمة سواء لفائدتنا وفائدة الأجيال القادمة ولنتمثل قول الشاعر:
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى/ خطب ولا تتفرقوا آحادا.
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا/ وإذا افترقن تكسرت أفرادا.
قال الله تعالى:
“واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ” الآية 103 سورة آل عمران.