20 سبتمبر 2025 / 09:26

إيران والرمز الفارسي: محاولة لإعادة تشكيل الهوية في زمن الأزمات

دين بريس ـ سعيد الزياني
تشير بعض التقارير الإعلامية* إلى رصد تحول في سلوك النظام الإيراني، إذ بدأ هذا الأخير يستعيد بعض مظاهر الثقافة الفارسية القديمة ويمنحها حضورا في المشهد العام من خلال تنظيم حفلات موسيقية في مواقع أثرية، والسماح بأشكال من الفنون في الشوارع كالرقص والغناء، إضافة إلى تخفيف نسبي لقيود الحجاب في بعض المناطق.

وبدا واضحا أن هذه الخطوات لا تأتي بمعزل عن الأزمات العميقة التي تعيشها البلاد، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، حيث يبحث النظام عن وسائل جديدة لامتصاص حالة التذمر الشعبي المتزايد.

ويقرأ المراقبون هذه التحركات باعتبارها حملة ناعمة تهدف إلى إعادة بناء الصلة بين السلطة والمجتمع بعد سنوات من الانغلاق، وهي محاولة لتوظيف الرموز التاريخية كأداة لتعزيز الشرعية، فاستدعاء الإرث الفارسي يمنح الإيرانيين شعورا بالانتماء إلى حضارة ممتدة، ويتيح للنظام مساحة لتقديم نفسه كوارث طبيعي لكل مراحل تاريخ إيران، الإسلامية والفارسية.

لكن هذا المسعى يواجه منذ البداية علامات استفهام كثيرة حول مدى نجاحه، خاصة أن بعض الفعاليات ألغيت في اللحظات الأخيرة وأن مسؤولين ثقافيين أقصوا من مواقعهم بسبب مشاركتهم في تنظيمها، مما عزز فكرة أن الانفتاح لا يتجاوز حدودا رمزية ضيقة.

ويدرك الإيرانيون أن حياتهم اليومية لا تتحسن بحفلة موسيقية أو فعالية ثقافية، بل تحتاج إلى حلول للأزمات الاقتصادية الحادة التي يعانونها، من انهيار العملة وارتفاع الأسعار إلى انقطاع الكهرباء وشح فرص العمل، لذلك يعبر الشباب بوضوح عن فقدان الأمل ويعتبرون هذه المبادرات مجرد محاولات لتلميع صورة النظام.

وتتجلى هنا مفارقة واضحة: فبينما يسعى النظام إلى التخفيف من حدة الاحتقان عبر أدوات رمزية، يبقى الواقع المعيشي خاضعا لسياسات لم تتغير جوهريا، ما يجعل الانفتاح الثقافي أقرب إلى تكتيك ظرفي لا إلى إصلاح هيكلي.

وتظهر بعض الدراسات أن الثقافة السياسية الإيرانية تقوم على مزيج مركب من الإسلام الشيعي والهوية الفارسية والإرث الحديث المتأثر بالغرب، ما يجعل أي محاولة لإعادة صياغة الهوية الوطنية فعلا محفوفا بالتناقضات.

لذلك يبدو أن الخطاب الجديد للنظام ليس سوى محاولة لتقديم صيغة مزدوجة للهوية، تجمع بين الإسلام والثقافة الفارسية في آن واحد، إلا أن هذا المزج قد يولد توترات أكبر، إذ يراه المحافظون تهديدا للقيم الدينية، بينما ينظر إليه الإصلاحيون والجيل الجديد باعتباره خطوة سطحية لا تمس جوهر السلطة.

ويتضح من قراءة هذه التطورات أن النظام الإيراني يحاول رسم معادلة دقيقة: تقديم جرعات محسوبة من الانفتاح تكفي لامتصاص بعض الغضب الشعبي، دون تجاوز الخطوط الحمراء التي يفرضها التيار المحافظ المسيطر على المؤسسات الدينية والسياسية.

لكن هذه المعادلة تبدو هشة لأنها تحاول التوفيق بين مطالب متناقضة، فالمجتمع يتطلع إلى انفتاح أوسع وحقوق أعمق، بينما تسعى السلطة إلى ضبط الإيقاع بما يحفظ قبضتها الصارمة.

وتبدو هذه الخطوات وكأنها محاولة لصياغة هوية إيرانية مزدوجة، غير أنها تظل مقيدة بسقف محدود من التغيير، ما يثير التساؤل حول ما إذا كانت تمثل انطلاقة لمسار جديد أم مجرد محطة عابرة في نهج امتصاص الأزمات الذي دأب النظام على اعتماده لتفادي مواجهة الحقائق الصعبة.
ــــــــــــــــ
مقال نشرته أخيرا Financial Times تحت عنوان ran’s rulers embrace ancient Persian culture in charm offensive