8 مايو 2025 / 13:06

إمارة المؤمنين مبادرة الصمود الوطني

خليل بن الشهبة
شهدت جهة الرباط ـ سلاـ القنيطرة أمس الأربعاء 7 ماي 2025 محطة جديدة من محطات الرؤية الملكية الاستباقية، بإشراف أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، على إطلاق إنشاء منصة المخزون والاحتياطات الأولية الخاصة بالجهة، ضمن برنامج وطني واسع يشمل جميع جهات المغرب الاثني عشر، وهو ما ينبئ بانتقال نوعي للمملكة في مجال تدبير المخاطر والكوارث، ويعزز موقعه كنموذج في الصمود.

يعبر هذا المشروع عن فلسفة تدبيرية جديدة تتجاوز منطق التدخل بعد الكوارث، نحو بناء منظومة وطنية استباقية مجهزة بالموارد البشرية والمادية، لضمان تدخل سريع وفعال بمجرد وقوع أي حادث طبيعي أو صناعي أو إشعاعي أو كيماوي.

وهو ما يؤكد أن المغرب لا يتحرك بدافع الخوف، بل بالرغبة في تعزيز مناعته المستقبلية، وهذا نابع من رؤية دينية تستلهم مناهج الأنبياء والرسل في الاستعداد للكوارث والتحديات المستقبلية.

قبل أن نسرد تجارب رسل الله: إبراهيم ونوح ويوسف، نلقي نظرة على مفهومين – حثنا عليهما ديننا الحنيف – يجعلان من هذه المبادرة الملكية استجابة فاعلة ومبكرة للضرورات الإنسانية، وتجسيد لما علمنا إياه الإسلام في ضرورة الاستعداد للأزمات وتوفير سبل النجاة، مستحضرين قاعدة: “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، التي تعد من أهم قواعد الفقه الإسلامي، وهي تبرز أهمية تجنب الأضرار وإعطاءها الأولوية على تحقيق المنافع.

وأول هذين المفهومين نجد مفهوم الاستخلاف، فكون الإنسان خليفة في الأرض، لتدبير عمرانها وحمايتها؛ يقتضي مسؤوليته على حماية البيئة والمجتمع من الكوارث والتخريب، سواء كان بشكل طبيعي أو بتدخل بشري، لهذا فهذه المبادرة تدخل في اختصاصات إمارة المؤمنين بصفته “حامي الحمى والملة والدين”.

وثانيها العمل الجماعي والتكافل، فالله تعالى أصدر أمره في القرآن الكريم بـ: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾، ونلفت الانتباه هنا إلى أن الاستعداد للكوارث لا يخص الدولة وحدها، بل هو نداء للتكافل والتعاون الشعبي أيضا، وهذا من التقاليد الراسخة في الشخصية المغربية، التي عشناها في الكثير من المحطات، القريب منها في الذاكرة الجماعية الحديثة: زلزال الحوز 2023.

إن المبادرة الملكية استجابة عملية لقيم الإسلام، وتلتقي مع ما دعا إليه من إغاثة الناس والملهوفين وحفظ الأنفس.

في قصة أبو الأنبياء، سيدنا إبراهيم عليه السلام نلتمس معنى عميقا في بناء أسس السلامة والتأسيس لبعد جديد في مفهوم الأمن، فرفعه عليه الصلاة والسلام ﴿القواعد من البيت﴾ (بناء الكعبة في مكة) كان بمثابة إعداد للهداية والأمن للمقيمين ولجميع زوّار هذا المكان ﴿ومن دخله كان آمنا﴾، فمثلما أعد إبراهيم بمعونة إسماعيل عليهما السلام، مكانا مقدسا ليكون مصدرا للأمان ونبراسا للطمأنينة، فإن المبادرة الملكية من خلال بناء المنصات الإغاثية يمثل بناء لأسس الأمن والصمود في وجه أي كارثة قد تواجه بلادنا لا قدر الله.

استعدادا للكوارث قدم لنا القرآن الكريم درسا عظيما في قصة نبي الله نوح عليه السلام، حين أمره الله، وهو المغيث الرحيم، ببناء السفينة قبل حدوث الطوفان، كان ذلك بمثابة استعداد واستنفار كامل لمواجهة كارثة طبيعية كبرى (براكين وزلازل وتسونامي وفيضانات…) التي كانت ستجتاح الأرض. فما كان من نوح عليه السلام، إلا أن أعدَّ الفلك، وزودها بكل ما تحتاجه (تهوية وأغطية وأفرشة ومؤن والتزود بالماء، وإضاءة وتدفئة، وصرف صحي…) لتنجو من الكارثة، ولتأمين النجاة للبشر ولكل المحمولين عليها، كل هذه المعاني نؤمن بها في المبادرة الملكية الهادفة إلى تجهيز منصات إغاثة لنجاة المواطنين وحمايتهم من الكوارث التي قد تطرأ، مع تأمين كل احتياجاتهم بشكل مسبق.

التجربة القرآنية الأخيرة التي نستمد منها وجها آخر في قراءتنا لهذه المبادرة الملكية وهو الاستعداد للأزمات الاقتصادية، هي تجربة نبي الله يوسف عليه السلام.

خلاصة القصة كما هي في القرآن الكريم، أنه عندما أول يوسف عليه السلام حلم ملك مصر بالجفاف الذي سيضرب مصر، نصح بتخزين المحاصيل لمدة سبع سنوات من الازدهار، استعدادا للسنوات السبع العجاف ﴿سبع سنبلات خضر وأخر يابسات﴾. وهو ما يعكس الاستعداد المبكر للأزمات وحسن التدبير في أوقات الرخاء لمواجهة الفترات الصعبة.

فالمبادرة الملكية مشابهة لما فعله يوسف عليه السلام، إذ أن بناء المنصات في كل جهات التراب الوطني في إطار عدالة مجالية يعد استعدادا مسبقا لمواجهة الكوارث، بحيث يتم تجهيز المخزون اللازم لتلبية احتياجات المواطنين في حالة الطوارئ.

ختاما، إن هذه المبادرة الملكية الاستباقية تدرك أن صمود الدول في هذا الزمن يقاس بقدرتها على التوقع، لا مجرد رد فعل على الأحداث، وهي تشير بوضوح إلى أن القيادة الملكية تعتمد منهجا استباقيا يأخذ بعين الاعتبار المخاطر المتزايدة عالميا (تغير المناخ، الزلازل، الفيضانات، المخاطر الصناعية والكيماوية، وحتى المخاطر الجيوسياسية)، لنقول إن المغرب اليوم لا ينتظر الكوارث ليبكي على الأطلال.

إن المغرب، بقيادة ملكه محمد السادس، يبني منصات للحياة ليبقى واقفا بصلابة بعد أي عاصفة تكون، وهو مشروع ليس للدولة فقط، بل لكل واحد منا. أنت، وأنا، والعلماء والسياسيين، والمجتمع المدني… كلنا مدعوون لنكون جزءا من مبادرة الصمود الوطني.