إيمان شفيق
تقدم أستاذة النظرية السياسية في معهد العلوم السياسية أستريد فون بوسيكيست في أحدث إصداراتها وعنوانه “عصر الاحتيال”، تحليلا دقيقا للمجتمع الغربي، مركزة على التجاوزات المعاصرة المرتبطة بالهويات. في وقتٍ يدعي فيه الجميع الحق في تعريف أنفسهم بحرية، تسائل الكاتبة حدود هذه الحرية: هل يُمكننا حقا اختيار أصولنا، وعرقنا، وذاكرتنا؟
يسلط الكتاب الضوء على توتر جوهري: بين الرغبة في التحرر الفردي ومطالب الحقيقة والعدالة. ولا يقتصر الكتاب على مجرد التنديد. فهو يدعو القراء إلى التأمل في الطريقة التي تشكل بها مجتمعاتنا الهويات وتغلفها، أحيانا على حساب التعقيد البشري.
تشكك المؤلفة في أسس علاقة الغربيين الآخرين، وكتابها موجه إلى كل من يرغب في فهم القضايا العميقة في العصر الراهن: بين البحث عن الذات، والذاكرة الجماعية، والحقيقة المشتركة.
من خلال قصص فردية، اهتمت المؤلفة بثلاثة أنواع من الاحتيال. الأول، هو احتيال التحرر. وهو احتيال كولمان سيلك في رواية “اللطخة” لفيليب روث، الذي يريد أن يكون حرا، لا أن يكون سجينا في قيود التكليف، و”النحن العظيم”، وعائلته وأصوله.
أما الاحتيال الثاني، وهو أكثر استنكارا، فهو احتيال قلب الألوان (النص المعكوس): أفراد يدعون انتماءهم إلى أصول أمريكية أصلية أو أمريكية من أصل أفريقي لتحقيق مكاسب رمزية ومادية.
الفئة الثالثة من الاحتيال هي فئة “المحتالين رغما عنهم”، مثل الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت، التي انتُقدت لكونها عنصرية ومتعصبة، لأنها ارتكبت خطأ “وضع نفسها في مكان الآخرين”. لم تدعي قط أنها سوداء، لكنها تحدثت نيابة عن فئة أخرى بمحاولة وضع نفسها في مكان أم سوداء. ومع ذلك، يبدو أنه أصبح من غير المقبول، في مرحلة ما من التاريخ، إجراء تشبيهات من موقع غير موقع الشخص المعني. كل هذه القصص تُشكك في علاقة العصر الراهن بالهوية والحرية والحقيقة.