30 أكتوبر 2025 / 09:39

إصدار: الإلحاد والغيب.. دراسة نقدية في الفكر العربي المعاصر

إيمان شفيق

صدر مؤخرا عن المنتدى الأوربي للوسطية -بلجيكا كتاب جديد بعنوان “الإلحاد والغيب: دراسة نقدية في الفكر العربي المعاصر”، وهي طبعة جديدة منقحة ومزيدة، من تأليف عبد الرحمن أبو المجد، رئيس قسم الدراسات الإسلامية، في الجامعة الإسلامية بمنيسوتا، أمريكا، وتقديم نزيهة امعاريج، من جامعة محمد الأول، وجدة، وتصدير علال الزهواني، من المنتدى الأوربي للوسطية، بلجيكا.

ومما جاء في مقدمة الطبعة الجديدة أن جدلية الحاجة إلى الدين من عدمها، تعد من أهم القضايا الحضارية في التاريخ الإنساني الطويل، لمَّا أن أحوال الأفراد وواقع المجتمعات يؤكد أن الدين حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها، وأن فكرة التدين فكرة مشاعة لم تخل منها أمة من الأمم في القديم والحديث، خاصة أن التدين نزعة أصلية مشتركة بين الناس، وهذا الواقع هو الذي عبر عنه الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون بقوله: “لقد وُجِدت وتُوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات، ولكنه لم توجد قط جماعات بغير ديانة”، ومع الجزم بهذه الحقائق فقد وجد من يشكك في وجود الدين وأهميته في حياة الإنسان ومسار المجتمع.

ومع الاعتراف الحاصل بمحورية الدين في سلك النظام الاجتماعي للأمم والشعوب، والتسليم بقوة سلطته على النفوس، فإن من تنبؤات بعض علماء الاجتماع في الغرب منذ الفكر الاجتماعي مع ايمانويل كونت وإيميل دوركايم وكارل ماركس، زوال الدين، وإلغاء تأثيره في المجتمعات، وتراجعه لصالح العلوم، مما أصبح يشكل تحديا كبيرا وإشكالا حقيقيا يحتاج إلى بيان وتفسير. فإذا كان الواقع يشهد على استمرار الدين وبقائه حيا في النفوس والمجتمعات مع عدم غياب وظيفته، فإننا في مقابل ذلك نلاحظ التنامي الملحوظ لظاهر الإلحاد التي تُعْلن رفض الدين وتتدعي الاستغناء عن دوره.

يحاول الكتاب الإجابة على عدة أسئلة، منها: هل ما يعرفه تدين الأفراد من تراجع وخُفوت هي علامات وأمارات على نهاية الدين وإيذان بصعود ظاهرة الإلحاد؟ هل ما تعرفه الإنسانية من تحولات في المواقف من الدين يؤكد نظرية انقراض الدين، باعتباره قد ارتبط بمجتمعات تقليدية أصبحت متجاوزة؟ بماذا يفسر إعادة فتح النقاش في موضوع جدلية الدين والإلحاد في هذه الظرفية من تاريخ الإنسانية؟ وهل وجود الإلحاد حقيقة ثابتة أم هي مسألة مفتعلة لها أبعادها السياسية والاجتماعية كما سطرها صناع الحضارة الحديثة؟ هل النزوع إلى الإلحاد – في حالة التسليم بوجوده – هو نزوع فردي ذاتي تلقائي، أم هو عامل جديد يراهن عليه في مخططات نظام عالمي جديد تُستهدف به الشعوب الضعيفة لتدمير رأس مالها البشري بعد الاستنزاف البشع لرأس مالها المادي خلال القرنين الأخيرين؟ بماذا يفسر تزامن صعود موجة الإلحاد مع دعوات الثورة على مؤسسة الأسرة والمطالبة بالتمكين للشواذ واغتيال الفطرة الإنسانية السليمة في المجتمعات الإنسانية؟

وأمام موجة الإلحاد التي يعرفها العالم يأتي هذا الكتاب للكشف عن حقائق علمية وتاريخية ترتبط بهذا المسألة الخطيرة، وبعد تصدير مُقَدَّر عن قيمة الحوار في التصورات الفكرية والأنساق الفلسفية وأثرها على الواقع الاجتماعي والتربوي، والتمييز بين أنواع الحوار، تم وضع حد للألحاد وعرض معانيه، وبيان علاقة الإلحاد بالتمذهب، ثم ذكر أصناف الملحدين، فالعلاقة بين الإلحاد المحلي والعالمي، مع رصد للدراسات السابقة عن الإلحاد.

ولأن الإلحاد مداره على التشكيك في الغيب والتنكر لقضاياه بخاصة، فقد عرج الكتاب في الفصل الأول على حقيقة الغيب في الفكر الإسلامي والفروق بينها وبين السمعيات، ثم معنى الغيب في الأصول الإسلامية: كتاب الله العزيز وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، ليعود الكتاب بعد ذلك في الفصل الثاني لمناقشة موضوع الإلحاد بين الفكر العربي المعاصر والفكر الوافد والمناهج المعتمدة في ذلك، ويختتم الكتاب في فصله الثالث بعملية رصد تكشف عن التناقض الحاصل بين مظاهر الإلحاد مع نقض هذه المسألة من خلال مناهج مختلفة.