إدريس عدار
عندما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “إن الإسلام في أزمة” رد عليه أحد أساطين التكفير بكلمات قبيحة، فبدأ البعض في الانتصار لهذا أو ذاك. حينها كتبت تعليقا بسيطا على صفحتي بالفيسبوك “لا دخل لنا في الخصومة بين حليفين”. لم يكن ماكرون كاذبا لأنه يتحدث عن “إسلام” يعرفه جيدا. إسلام أموي تحالف معه لفترة طويلة في سوريا والعراق وغيرها من بؤر التوتر، اقصد تحالفا سياسيا موضوعيا.
دعاة التنوير “الحشوي”، من أمثال أبي حفص ومن يقلدهم في منحاهم، اعتبروا الأمر انتصارا للتنوير بينما هو تصفية حساب بين حليفين اختصما بعد ان أفلتا “الطريدة” حسب قولة لحمد بن جاسم آل ثاني، رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق.
أقصد بالتنوير “الحشوي” اعتماد السرديات بدل الاستدلال، وهي سرديات مسروقة ومستقطعة من كتب استدلالية لأصحابها. ودائما سيكون المصدر هو التراث الشيعي الزاخر بنقد تلك الصورة لكن داعيتنا التنويري الذي يصدم قراءه بالسرقة الموصوفة من غيره ما زال يقتفي المنهج الوحيد في هذه الصدمة التي هي في جذورها صدمة من صميم التراث نفسه.
يأتي هؤلاء بكلام عن الرسوم الكاريكاتورية والإساءة للرسول (ص) كما لو لم يسبقهم أحد لذلك. ولو كانوا جادين لاحترموا “لصوصا” سرقوا منهم. وتفترض “اللصوصية المحترمة” الإحالة على من سبقهم. الإحالة شرف المعرفة وأمانة البحث العلمي، لكن هؤلاء لا تعنيهم المعرفة لهذا ننصحهم بطريق “اللصوص المحترمين”. هناك لصوص ينضبطون للقواعد حتى وهم يأتون فعلا منكرا. ولقد سبقهم إلى هذا “التنوير الحشوي” سرّاق كثيرون و”جنيالوجيا السرقة” لا تكاد تعثر على جذورها لكثرة الإخفاء، ولهذا لا نستغرب أن يتحدث بعض الصحفيين عن صدمة متابعي أبي حفص[1]عندما قال “صورة الرسول في تراثنا الديني أكثر إساءة من الكاريكاتورات المنشورة اليوم”.
هكذا عنونت القدس العربي مقالها المنقول عن تدوينة لأبي حفص من صفحته بالفيسبوك: الداعية المغربي محمد عبد الوهاب الرفيقي يصدم متابعيه: “صورة الرسول في تراثنا الديني أكثر إساءة من الكاريكاتورات المنشورة اليوم”.
أبو حفص يكره لقب الداعية لأنه يحيل على فترة كان فيها: أبو حفص يقوم بتحريض الشباب على القتال والذبح، وفترة قضاها بالسجن بتهم تتعلق بالإرهاب وكان يحمل نفس الصورة المزرية عن النبي، قبل أن يخرج بالعفو في صفقة أعقبت حركة 20 فبراير، وتحدث عن الصفقة تلاميذته، الذي قالوا إنه تنكر لهم[2]، ويحاول أن يلبس ثوب المفكر التنويري، غير أن هذا اللقب أكبر منه بكثير، وتابعناه في قراءة طويلة من سبع حلقات أكدنا فيها أن الرجل لا يتوفر على فكرة واحدة أو دراسة أو كتاب يدخله نادي المفكرين[3]، هو يبوح بتحول فكري لكنه لا يملك الشفافية ليظهر مصادر نقوله التي يستغل فيها الحدث ليفتح مصادر الشيعة ويسرق اراءهم ثم يعود لاعلى الشجرة ليقدمها على انها من بنات تأملاته الحداثية..
لهذا لا نستغرب عندما تعتبر الصحيفة أن ما قاله يشكل صدمة لمتابعيه. الصدمة تنتج عن شيء غير مألوف..فالمتابعون للداعية أبي حفص [4]إما أنهم لا يعرفون شيئا عن تراثهم وبالتالي لن يهمهم الأمر، وإما أنهم متواطئون على السرقة أو أن هذا الجمهور تنطلي عليه الحيل ولقلقات اللسان، لأن ما جاء به أبو حفص وما قاله عصيد أو لكحل وارد في مئات المؤلفات ويوجد في التراث الإسلامي المعارض نفسه منذ سنين طويلة.
قال أبو حفص في منشوره على الفيسبوك “لنكن منطقيين وواقعيين: حين تصور النبي عليه السلام بأنه القتول الضحاك، وبأن رزقه في ظل رمحه، وبأنه كاد يرمي نفسه من رأس الجبل، وبأنه كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة، وبأنه تزوج صبية في سن السادسة ودخل بها في التاسعة، وبأنه أباح لأصحابه اغتصاب السبايا بحضور أزواجهن، وبأنه أراد تطليق زوجته لأنها أصبحت غير مطيقة للجماع، وبأنه احتقر المرأة وجعلها ناقصة عقل ودين، وبأنه أصابه السحر حتى يخيل إليه أنه جامع نساءه ولم يفعل”.
هذا القول، الذي شكل صدمة لمتابعيه، حسب الصحيفة المذكورة، مسروق من فئات صغرى، وهو متوفر في الشبكة الالكترونية بالتفصيل، ولا يمكن الوصول به إلى “مخفيات” جمال البنا، أو حتى مسروقات محمد شحرور بل إلى من سرقوا عنهم وهم كثر.
لكن الحقيقة المرة هي أن هذا النقد والتنبيه إلى خطورة ما هو موجود في كتب الحديث والسيرة والتاريخ، ليست جديدة بتاتا بل هي حركة موازية لظهور مثل هذه الأكاذيب.
فهذا عبد الحسين شرف الدين في كتابه “أبو هريرة”، الصادر عن مركز الأبحاث العقائدية، أبو هريرة (لـ عبد الحسين شرف الدين) الذي كتب عليه ان يصبح مصدرا السرقات ولذا قلنا يحيل عليه مجددونا المزيفون يقول: “فالسنة أرفع من أن تحتضن أعشابا شائكة وخز بها أبو هريرة ضمائر الأذواق الفنية: وأدمى بها تفكير المقاييس العلمية قبل أن يشوه بها السنة المنزهة ويسئ الى النبي وأمته صلى الله عليه واله.
وبالجملة: قال السنة منهاج الاسلام، ودستور الحياة اللاحب في كل ما يجب أن تصاغ الحياة على مثاله في الاخلاق والعقائد والاجتماع والعلم والآداب، فلا يصح في منطق أن نسكت عن هذا الدخل الشائن لجوهر الإسلام وروحه الرفيعة المنادية بالتحرر والانعتاق من كبول العقائد السخيفة والخرافات التي يسبق الى الذهن استنكارها.” [5] وأضاف “فالواجب تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لا يحتمله العقل من حديث هذا المكثار”.
وأوضح قائلا “الحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة، لكنها غير عاصمة، والصحابة فيهم العدول وفيهم الاولياء والأصفياء والصديقون وهم علماؤهم وعظماؤهم وفيهم مجهول الحال، وفيهم المنافقون من أهل الجرائم والعظائم؛ والكتاب الحكيم يعلن ذلك بصراحة (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم) فعدولهم حجة ومجهول الحال نتبين أمره وأهل الجرائم لا وزن لهم ولا لحديثهم”[6].
وأوضج في خاتمة مقدمة كتابه “هكذا جمع معاوية جميع قواه لإبادة شخصية النبي وآله (ع) ومحو سيرته، فأسس جهازا اعلاميا لوضع الحديث، واستعمل لهذا الهدف بعض الصحابة نحو: ابا هريرة الذي روى اكثر من خمسة الاف وثلاثمائة حديث ملفق على النبي (ص)، وعبداللّه بن عمر الراوي لما يزيد على ألفي رواية، وهـكذا ام المؤمنين عائشة بنت ابي بكر وانس بن مالك اللذين حدث كل منهما بأكثر من الفي وثلاثمائة حديث مفتر على رسول اللّه (ص)” [7].
وهناك كتاب أكثر نقدا تحت عنوان “احاديث ام المؤمنين عائشة” لمرتضى العسكري يقول في بدايته “مسخ كل ما يتعلق بالإسلام الحقيقي، ولبس الدين لبس الفرو مقلوبا، ومن ثم احتل الاسلام المزيف والممسوخ الملبي لهوى الخلفاء سدة الحكم بدلا عن الاسلام المحمدي الحقيقي”[8].
وتراهم يروون احاديث اخرى يخدشون بها شخصية النبي الكريم ويشوهونها [9] ولم يكتفوا بهذه فحسب، بل مدوا يد الزور والزيف الى التوحيد وصفات الباري، كيفية الحشر والقيامة، الثواب والعقاب، الجنة والنار، تاريخ الانبيا، بدا لخلق، الاحكام والعقائد الاسلامية، فاختلقوا لكل منها احاديث مختلفة.
وقد كثرت هذه الاحاديث المزورة وتوسعت دائرة تناقلها حتى غطت الحقائق الدينية ومسختها وكانت نتيجتها ان ابتدع اسلام آخر صار المذهب القانوني لحكام بني امية وبني العباس حتى نهاية الخلافة العثمانية[10].
وفي الكتاب عشرات النقود على كثير من الروايات ويكفي الاطلاع على فهرسته لتصبح تنويريا على طريقة أبي حفص وعصيد ولكحل، والكتاب في مجلدين ضخمين، يمكن أن يستل منها التنويري الحشوي ما يشاء ويصنع أشرطة متواصلة “تصدم” من لا يقرأ.
ما أوردناه أمثلة بسيطة على ما هو موجود وإلا إذا أردنا حصر النقود على الروايات الموجودة فلن يكفينا كتاب بأكمله، حيث توجد عشرات الكتب، ولا تتشابه من حيث المنهج لأن تكرار الأدوات يعتبر عيبا عندهم، فبالأحرى تكرار طريقة الاستدلال، وبالإضافة إلى الكتب المخصصة لهذا الغرض وهي كثيرة، هناك نقود متضمنة في كتب أخرى بشكل جزئي.
ليس الغرض وضع بيبلوغرافية لما كتبه الآخرون عن الروايات المسيئة للرسول (ص)، ولكن للتنبيه على أن ما يدعيه دعاة التنوير “الحشوي” مجرد مسروقات موجودة منذ زمن بعيد، ولكن لأنهم مثلهم مثل ماكرون لا يعرفون سوى الإسلام الأموي فلما يكتشفوا نقدا في الجهة الأخرى يعتبرونه كنزا لكن بإصرار تام على عدم ذكر المصادر، بل جمع كل التراث في سلة واحدة ولعنه، والمطالبة بطرحه، بينما هناك تراث كامل في مواجهة التراث المزيف، وبالقدر الذي توجد شجرة للكذب توجد شجرة لنقدها، وبموازتهما توجد شجرة اللصوص غير المحترمين. ولا زال ابو حفص ماضيا في لعبة صدم الصحافة الصفراء وليس من لهم دراية بالتراث بآراء مسروقة من التراث نفسه تحت عنوان التنوير والحداثة وهو مصر على انتهاك أصول البحث العلمي والأمانة العلمية، ودورنا هو ان نراقب هذه الخدعة والتلاعب برأي عام أمي وإعادة المسروق لأهله عند كل خرجة مزيفة لداعية هرب من سلفية حشوية بائدة الى تنويرية حشوية مسروقة.
ــــــــــــــــــ
[1] https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%B9…/
[2] هذا ما رواه عادل الحسني صاحب كتاب “وعد الآخرة…عودة من جحيم السلفية” على صفحته بفيسبوك وحوارات صحفية
[3] https://www.alouatan24.com/?p=52702
[4] يبقى أبو حفص داعية..انتقل من الحشو السلفي إلى الحشو الحداثي
[5] شرف الدين الموسوي، أبو هريرة، ص 7
[6] نفسه
[7] نفسه
[8] مرتضى العسكري، أحاديث أم المؤمنين عائشة ص 19
[9] نفسه ص20
[10] نفسه
المصدر : https://dinpresse.net/?p=11903