2 أكتوبر 2025 / 20:07

أفكار على هامش كتاب برجيت برو حول جيل زد

عبد العزيز سنهجي

يشكل التعليم محورا أساسيا في كتاب برجيت برو، حيث تنطلق المؤلفة من واقع التحولات العميقة التي يعيشها جيل Z، جيل الرقمنة والتواصل الفوري، لتطرح سؤالا جوهريا: كيف يمكن إعادة تحرير الرغبة في التعلم داخل مدرسة تواجه فقدان المعنى وتراجع في دافعية التعلم؟
أولا: تشخيص الوضع التعليمي
. أزمة الدافعية المدرسية: عدد متزايد من التلاميذ يعانون من فقدان الرغبة في التعلم، من الملل إلى الانقطاع وحتى الفوبيا المدرسية. حيث لم تعد المدرسة مرجعا مركزيا للمعرفة، بعدما تحولت الشبكات الرقمية إلى المصدر الأول للمعلومة.
. تصدع علاقة المتعلم بالمعلم: الانتقال من سلطة رأسية قائمة على التلقين إلى علاقة أفقية تتطلب شرعية مبنية على الكفاءة والقدرة على التواصل. حيث ينظر الشباب إلى الكبار أحيانا على أنهم بعيدون عن واقعهم وهمومهم اليومية.
. الضغوط الاجتماعية والاقتصادية: التلاميذ يتلقون رسائل متناقضة من قبيل: استهلك أكثر، عش اللحظة، وفي الوقت نفسه اجتهد وانجح في المدرسة، مما يخلق انفصاما بين متعة الاستهلاك وصعوبة الجهد التعلمي.
ثانيا: بعض الخلاصات الأساسية التي وقفنا عليها في الكتاب:
. التعليم التقليدي لم يعد كافيا: النماذج الخطية للنجاح (الانتقال السلس من الابتدائي إلى الجامعة) لم تعد تناسب واقع التلاميذ.
. المعنى شرط أساسي للتعلم: السؤال الذي يردده المراهقون اليوم هو: (ما جدوى ما نتعلمه؟).
. المسؤولية المشتركة: نجاح المدرسة يتوقف على التناغم بين ادوار الأسرة، المؤسسة، والمجتمع، ضمن توليفة تنعتها المؤلفة بالاكولوجيا العلائقية écologie relationnelle
ثالثا: الاقتراحات العملية الواردة في الكتاب
. نحو بيداغوجيا جديدة لايقاظ الحافزية: جعل التعلم تجربة ذات معنى، مرتبطة بحياة المتعلم وتطلعاته وأحلامه.
. إدماج طرائق نشيطة (projets, débats, co-apprentissage) بدل الاقتصار على التلقين.
. إتاحة مساحات للتعبير عن الذات وصياغة المشروع الشخصي للتلميذ.
. إعادة الاعتبار للعلاقة التربوية؛ بناء علاقة قائمة على الإصغاء، الاحترام المتبادل، والاعتراف بقدرات التلاميذ.
. الانتقال من دور الناقل إلى دور الميسر (facilitateur) الذي يساعد المتعلم على اكتشاف ذاته وقدراته ومحيطه.
. تعليم المهارات الحياتية والذاتية: التربية على إدارة الانتباه، الصبر، والقدرة على تحمل الإحباط (éduquer à la frustration)، وتنمية الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرار.
. دمج التكنولوجيا بوعي نقدي: استثمار البيئة الرقمية كأداة تعلم تفاعلي، مع تنمية التفكير النقدي تجاه التدفق الهائل للمعلومات، وتحويل الاستهلاك السلبي للشاشات إلى إنتاجية رقمية (créativité digitale, projets collaboratifs).
. تكوين المدرسين وإعادة مهننة التعليم: الحاجة إلى تكوين مستمر يمكن المدرس من تبني مقاربات حديثة للتعليم (التعلم النشط، البيداغوجيا الفارقية، … )، ودعم المدرسين في استعادة شرعيتهم التربوية عبر تمكينهم من أدوات عملية لتعزيز الدافعية.
رابعا: بعض صيغ الاشتغال المقترحة من طرف الكاتبة
. إعمال بيداغوجيا المشاريع: ربط التعلم بإنجاز ملموس (مشروع جماعي، منتج رقمي، حملة توعوية…).
. تكريس التعلم التعاوني: اعتماد آليات co-motivation حيث يحفز المتعلمون بعضهم بعضا عبر العمل في فرق.
. التقييم البناء: الانتقال من منطق العقاب والدرجات فقط إلى منطق التقييم التكويني الذي يوجه ويوضح التقدم.
. ورشات التعبير الذاتي: إتاحة مجالات للحوار والكتابة الإبداعية لمساعدة المتعلمين على بلورة هويتهم.
. شراكة الأسرة-المدرسة: إشراك الآباء بفاعلية في بناء بيئة محفزة على التعلم بدل الاقتصار على دور رقابي.
يخلص الكتاب إلى أن التعليم في زمن جيل Z لم يعد مسألة نقل معارف فقط، بل مسألة إعادة بناء الدافعية والرغبة في التعلم. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر مدرسة إنسانية، تشاركية، تعاونية، قادرة على الإصغاء للتلاميذ، واستثمار التكنولوجيا بوعي. هكذا فقط يمكن تحويل التحديات الحالية إلى فرص لبناء مدرسة المستقبل.