أداء الدبلوماسية الملكية: المقدمات والتبعات المحلية والإقليمية والدولية

5 نوفمبر 2025

منتصر حمادة

بعد نصف قرت تقريبا من منعطف المسيرة الخضراء، يأتي القرار المفصلي الصادر مؤخرا عن مجلس الأمن ليكرس الوحدة الترابية للمملكة المغربية، بكل تبعات هذا المنعطف، محلية كانت أو إقليمية، ومن باب أولى التبعات الجيوسياسية، بالصيغة التي تؤكدها مضامين أغلب المواكبات الإعلامية الصادرة حول الحدث، وخاصة المواكبات الإعلامية الصادرة في الساحة الغربية (الأوروبية والأمريكية).

على أن القرار نفسه، ينتصر بشكل أو بآخر لأداء دبلوماسية المؤسسة الملكية، والتي اشتغلت بهدوء طيلة عقدين ونيف، وعلى عدة جبهات، انطلاقا من حجج تاريخية وقانونية راسخة، بتعبير آخر، صعب جدا إحداث فصل منهجي أو إجرائي حتى بين هذا الإنجاز الدبلوماسي عن النهج العام للدبلوماسية الملكية التي تتميز بالشمولية، والوضوح، والاستراتيجية المتكاملة في تصورها وأهدافها، وذلك لاعتبارات عدة، نتوقف عند ثلاثة منها على الأقل:

ــ أولها أننا إزاء دبلوماسية استراتيجية ما دامت تقوم على منظور ملكي طويل الأمد، يستند إلى تحليل دقيق للتحولات الإقليمية والدولية، ويضع قضية الصحراء في صميم الثوابت الوطنية، باعتبارها قضية وجود ووحدة.

ــ ثانيا، نحن إزاء دبلوماسية شاملة تتجاوز البعد السياسي إلى أبعاد اقتصادية وثقافية ودينية وإنسانية، تعكس عمق الرؤية الملكية وتكامل مقاربتها، ويكفي تأمل أداء الدبلوماسية الدينية على سبيل المثال، سواء في التعامل مع الشأن الديني الإسلامي في القارة الإفريقية، أو في حدث استقبال بابا الفاتيكان (30 و31 مارس 2019).

ــ وأخيرا، نحن إزاء دبلوماسية واضحة الأهداف تقوم على الدفاع عن السيادة الوطنية، ونصرة القضايا العادلة للمملكة، والانفتاح على الحوار والتعاون المتوازن مع مختلف الشركاء الدوليين، والنموذج هنا تبعات الزيارة الملكية لكي من روسيا والصين، في عز البحث عن محددات تصب في خدمة القضية الوطنية الأم.

وواضح أن تلك الزيارات كانت تروم تنويع الشراكات، وهذا محدد يعتبر ركيزة للدبلوماسية الملكية ذات الأفق بعيد المدى، لأنه يترجم إرادة ملكية الملك تروم تنويع الشركاء الدوليين باعتبارها محورا أساسيا في السياسة الخارجية للمملكة، في سياق تعزيز استقلال القرار الوطني وترسيخ مكانة المغرب كقوة وازنة في محيطه الإقليمي والدولي.

تنويع الشركات يروم أيضا تعزيز العلاقات مع الحلفاء التقليديين كأمريكا وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة، الذين يدعمون اليوم بشكل واضح المبادرة المغربية للحكم الذاتي وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، كما يروم كذلك تموضع المغرب كجسر حضاري بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وهذا معطى يترجم بدوره الأفق النظري للعمل الملكي، والمؤسس على أرضية تجمع بين التوازن والانفتاح والمصداقية.

قبل التوقف عند أداء الدبلوماسية الملكية على الأقاليم الجنوبية للمملكة، لا بد أيضا من استحضار البعد الإفريقي والإقليمي في الرؤية الملكية، حيث اتضح أنه منذ تولي الملك محمد السادي مقاليد الحكم، انتهج المغرب سياسة إفريقية متجددة قائمة على التضامن والواقعية والتعاون المتبادل، حيث أحصينا أكثر من خمسين زيارة ملكية إلى ما يزيد على ثلاثين دولة إفريقية، تُوّجت بتوقيع أكثر من ألف اتفاق ومذكرة تعاون، في مجالات متعددة؛ عاينا عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 شكّلت محطة مفصلية في ترسيخ السياسة الإفريقية لجلالة الملك، القائمة على الوضوح والطموح والمصداقية، وقد ساهمت هذه المستجدات القارة، في أن جعلت المغرب فاعلا قاريا موثوقا به، يحمل همّ التنمية المشتركة ويجسد روح التضامن الإفريقي النوعي.

في الشق الخاص بالأداء الدبلوماسي العربي، فقد عزّز المغرب حضوره الفاعل داخل الفضاء العربي، وفاء لروابطه الأخوية والتزاماته التاريخية، كما تبنت الدبلوماسية الملكية خيار الدعم الثابت للمبادرات العربية الهادفة إلى تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة، من خلال انخراط دبلوماسي نشط في إطار جامعة الدول العربية، وتبنت على الخصوص موقفا مبدئيا راسخا تجاه القضية الفلسطينية، أحذا بعين الاعتبار أن الملك محمد السادس، هو رئيس لجنة القدس أيضا، ووهي اللجنة التي تقوم بدور بارز في نصرة القدس الشريف، عبر مبادرات إنسانية ودبلوماسية ملموسة تخدم العدل والسلام، وأخيرا، تبني خيار التوازن والانفتاح ميّز الدبلوماسية المغربية في تعاملها مع دول الخليج والمشرق، والنموذج التطبيقي في هذا السياق، أخذ المغرب مسافة من الخلافات الخليجية ــ الخليجية، والقيام بدور الوساطة، وليس صدفة أن المغرب، هو الدولة العربية الوحيدة الذي يحظى بزيارات رسمية وخاصة لملوك وأمراء الخليج العربي. هذا الاستثناء لم يصدر من فراغ قط.

نأتي للحضور المغربي الفاعل داخل الأمم المتحدة ودبلوماسيته المتعددة الأطراف، ونتوقف هنا عند ثلاث إشارات من باب الاستئناس، حيث شارك المغرب في أعمال مجلس الأمن والجمعية العامة ومختلف الأجهزة الأممية، دفاعا عن الحوار والتوافق والشرعية الدولية، كما ساهم المغرب في حفظ السلم والأمن الدوليين من خلال مشاركة حوالي 2000 من أفراد القبعات الزرق في بعثات الأمم المتحدة، موازاة مع دعم المغرب لإصلاح مجلس الأمن بما يضمن تمثيلا عادلا للقارة الإفريقية وصوتا أقوى للدول النامية، ومن النتائج المباشرة بهذه الخيارات، ذات صلة بملف الصحراء المغربية، أننا عمليا اليوم، أكثر من 125 دولة أي ما يعادل 64% من أعضاء الأمم المتحدة، تدعم الموقف المغربي وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي الحل الوحيد الجاد والواقعي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.

بقيت أمامنا أمثلة تجسّد تفعيل الرؤية الملكية في الأقاليم الجنوبية، حيث بفضل التوجيهات الملكية، تحولت الأقاليم الجنوبية إلى نموذج للتنمية المتكاملة في إطار النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه الملك محمد السادس رسميا سنة 2015 بمدينة العيون، وهو النموذج الذي كان أرضية إطلاق مشاريع كبرى واستثمارات ضخمة وبنى تحتية حديثة جعلت من الصحراء المغربية ورشا مفتوحا للتنمية والازدهار، مكرسا مقاربة ملكية مركبة، لأنها موزعة على حقول أو مجالات سياسية واقتصادية وإنسانية، رسّخت مغربية الصحراء بالفعل والتنمية، بعيدا عن منطق الصراع والمواجهة.

 

توكل كرمان.. من جائزة نوبل إلى خطاب الفتنة

عمر العمري تقدم توكل كرمان نفسها، منذ حصولها على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، بوصفها رمزا عالميا للحرية وحقوق الإنسان، إلا أن مسارها الإعلامي والسياسي اللاحق سرعان ما كشف عن تناقض صارخ بين الشعارات والممارسة. فبدل أن تكون صوتا للحوار والسلام، تحولت إلى منبر للتحريض والتجريح، مستخدمة المنصات الرقمية لنشر خطاب عدائي يستهدف المغرب ومؤسساته […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...